العدد 4629
الخميس 17 يونيو 2021
banner
كان الصبر يأتينا من دم الأموات إلى الأحياء
الخميس 17 يونيو 2021

عرفت عن شعب البحرين مواجهته الصعاب والملمات والآلام بصبر جميل ونفس راضية بقضاء الله وقدره، وكل محنة يمر بها مهما كانت قوية يقابلها بصبر منقطع النظير وقوة احتمال رائعة وشعاره دائما ذلك القول الصيني المأثور “إن قوة شجرة الخيزران تكمن في مرونتها”، فقد رأينا كيف تعامل شعب البحرين مع حادثة طيران الخليج في أغسطس 2000، فالبيوت تبارت وتقاسمت في توزيع الحزن ليخفت وميضه الحارق، وكثيرة هي القصص التي تعكس حقيقة شعب البحرين الذي لا يتغير.


لقد تواجدت في مقبرة المحرق ثلاث مرات في أقل من أسبوع لدفن عمتي وبناتها شقيقات زوجتي، هيا ورقية، وقبل ذلك بأسبوعين في مقبرة الحنينية لدفن أولى المتوفيات حنان، وبالرغم من جبال الحزن ورياحه العاصفة إلا أننا وجدنا من ينتشلنا من الوحشة والوحدة وتراكمات الظلمة، وكأنها هبة إلهية، أي الصبر والجلد واحتمال المكاره، وتدفق المواساة من المشيعين مثل النهر، شعرنا أن الصبر كان يأتينا من دم الأموات إلى الأحياء، وأن هناك صوتا يخرج من ظلمة القبر يوصينا ويعزلنا عن شلالات الأحزان. حينما جلس ابني محمد إلى جانب قبر جدته “ثاجبة” انتحب قليلا في صمت وكاد حزنه يلامس السحاب، لكنه تحمل حر الحزن اللاهب وفقد الجدة بصبر كبير، صحيح أن الحزن احتجز صوته، لكنه تطلع حوله وإلى الأعالي فوجد السماء تنثر عليه السكينة والصبر.


زوجتي أم محمد “شيخة الرويعي” ضربت جبهة التاريخ بصبرها وقوتها بالرغم من حزمة الرماح التي أطلقها الحزن نحوها، وكانت بالنسبة للجميع كالنجمات التي تشرق في ذواتها، كان الكون كله يحس بهدوء صبرها وإيمانها، وكانت تعطينا لغة جديدة نخاطب بها الحزن لم يعتد عليها البشر من قبل، كانت أشبه بعالم من مداد وضوء لمن حولها وكوكب مشع بالصبر والإيمان.


وراء الكلمات والمسافات ورحلة العمر وأشجار الحياة يبقى صبر الإنسان وطاقته على التحمل السر العظيم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .