الكتابة والخط عندي يتكاملان وطيف الخيال بارقة الفكرة الأساسية للعمل
أيمن جعفر: الكلمة هي النبض الدائم وأجدني في تفاصيل الحروف والألوان
بين دفتي كتاب بدأت قصته مع الكلمات ومن أول تمازج بين الأوان بدأت رحلته، وبين مشق ومداد ومحبرة كانت الانطلاقة ولا يعلم أين ستكون نقطة الوقوف. من لغة الضاد اشتق فنه وللكلمة نذر قلمه مؤمنًا بأنها نبضه الدائم. أيمن جعفر كاتب وخطاط بحريني كان لمسافات البلاد معه هذا الحوار:
تؤمن بأن الأدب وظيفته أن يكون مجازًا أكثر منه واقعًا .. لماذا؟
لأن الأدب هو كذلك. المجاز الذي يعبر عن كل واقعنا الداخلي والخارجي. المجاز أكثر تحررًا من قيود الواقع، وأكثر قدرةً للتعبير عنه.
“من الصعـوبات هي أن يكون للكاتب أسلوب خاص”، لماذا برأيك؟
إن الأسلوب هو صوت الكاتب، لغته، طريقته في التعبير وكيفية سرد روايته، وهو بهذا: المجموع الكلي الذي يصل إلى القارئ. وللوصول إلى هذا ينبغي على الكاتب أن يعرض نفسه إلى نار التجارب في كل النواحي اللغوية والتقنية والمعرفية ليصقل هذا الصوت أو الأسلوب الخاص به. نعم لا أسلوب خال من التأثر بالأساليب الأخرى، وهذه ميزة مضافة، لكن تحديد سمات أسلوبية معينة ومن ثم تطوير هذه السمات وصقلها ليكون الأسلوب الشخصي أكثر وضوحًا ورسوخًا مهمة صعبة وميزة مميزة تميز الكاتب عن نظرائه بعد الكثير من التجريب.
ما الخطوات التي تساهم في تطور الكاتب؟
لست بوارد الإجابة عن السؤال بصيغة المعلم فأنا لست في هذه المرتبة إطلاقًا، ولكن سأجيب بوصفي متعلمًا، وما توصلت إليه في مجال التعلم. أهم خطوة هي الإيمان بالذات وبالموهبة، ومن ثم صقل هذه الموهبة بالكثير من القراءة والتجريب، ومن ثم تفعيل آلية النقد الذاتي قبل كل شيء، فلا يمكن لأي كاتب التطور دون نقد ذاتي، ودون اطلاع معرفي وأدبي واسع، ودون تجويد المكتوب دائمًا وعدم التسرع في نشره.
ما هو الإلهام وأين نجده؟
إنه طيف الخيال أو بارقة الفكرة الأساسية للعمل. يبدو الأمر ساحرًا حين يأتي الإلهام فجأةً لينير فكرة عمل إبداعي، وهذا يرتبط بالذاكرة الجمعية التي تغذي هذه الفكرة. لكن الأمر ليس هكذا في الوقت الراهن، إذ إن على الكاتب أن يحاول تحضير أو تهيئة الظروف كلها لإيجاد هذا الإلهام وليس انتظاره بمعناه السلبي حتى مجيئه عفو الخاطر إن صح التعبير. إنها، بهذا التصور، عملية تحضير واعية تتم عبر تعميق وتأصيل عملية الملاحظة وتدريب الكاتب على التمعن في كل شيء حوله، ومحاولة التفكر المستمرة حتى تأتيه لحظة الإلهام التي تجمع كل تلك الأشياء في قالب جديد يكون نواة العمل الإبداعي الجديد.
ما هي الكلمة بالنسبة لك؟
الكلمة عمومًا التجلي الأعظم للذات الإنسانية، والنبض الدائم لي. منذ توطدت علاقتي بالكلمة وأنا أجدني أفضل. حين لا أقرأ ولا أكتب أو لا أخط أشعر أنني أفتقد الكثير من طاقتي وقوتي، وكذلك الأمل. أو عالم آخر أحيا فيه ويعينني على الحياة الواقعية. ربما بهذا المفهوم تصبح الكلمة عندي الطاقة اللازمة للسير في دروب الحياة والأمل.
توجد الكثير من النتاجات الروائية والأصوات السردية عربيًا وأجنبيًا. كيف تتمكن من مواكبتها أو متابعتها كقارئ وككاتب؟
لعل أبرز ما يستجد اليوم أن القارئ أو الكاتب يفاجأ بكم هائل ونوعي من النتاج الروائي المميز عربيًا وعالميًا، وهو ما يفرض تحدي المواكبة. لست أتمكن من المواكبة تمامًا، ولم أصل حتى الآن إلى الدرجة التي أرجو بلوغها على هذا الصعيد، ولكنني أبذل جهدي في القراءة ومتابعة هذا النتاج، ومن ثم محاولة الإفادة منه بوصفي كاتبًا. هذا يعني أن تضع أجندةً للقراءات ومن ثم تعمل على معالجتها وتطويرها.
أين تجد نفسك في الفن؟
في كل تفاصيل الحروف والألوان. إنه عالم مواز أجد ذاتي فيه بصورة أخرى.. بصورة أكثر صدقًا يمثل لي نفسًا آخر. حينما تنظر إلى الألوان، الورق، القماش، والفرش والقصب. تشعر بحميمية الأشياء من حولك، وكيفية القدرة على الولوج إلى هذا العالم الجميل.
متعلق باللغة العربية، كيف توظفها في لوحاتك؟
أنا أعمل على توظيف النصوص العربية من بوابة الخط العربي في الفن التشكيلي، ولهذا عند انتقالي إلى الحروفية العربية بالتوازي مع خط النصوص حاولت الإفادة من المعنى اللغوي في هندسة تكوين اللوحة وفضاءاتها اللونية.
كيف تختبر النصوص أو معانيها الأدبية في لوحاتك التشكيلية؟ وما هي المشاعر التي تشعر بها بعد تحويل النص إلى لوحة؟
انطلاقًا من المعنى الدلالي لهذه النصوص. أقوم بخطها مباشرة أحيانًا، ولكنني في السنوات الأخيرة أميل إلى معالجتها عبر الحروفية. أستنطق دلالاتها ومعانيها انطلاقًا مما درسته وقرأته في معاني الحروف، ومن ثم العمل على محاولة تفكيك النص المكتوب إلى حروفيات جمالية ودلالية، ولهذا فإنني أحس بسعادة غامرة وأنا أختبر النص في شكله المكتوب مباشرةً، وفي تجليات هذا النص غير المباشرة في أغلب الأحيان، وفي فضاء اللوحة وتلويناتها، وذلك كله عبر محاولة إعطاء الكتلة الحروفية مساحتها الدلالية داخل العمل.
أيهما أقرب إليك الكتابة أم الخط؟
الكتابة عندي هي الأصل أو المنطلق ومن ثم كان الخط. سابقًا كنت أنظر إلى كل واحد من المجالين بانفصال تام. أما الآن فأنا أجد أنهما يتكاملان عندي، لاسيما أنني في المجالين أتعامل مع الحروف والكلمات بوصفها مادةً، ولكن بصيغ مختلفة من التجلي. والكلمات، طبعًا، تصنع كل شيء: كل الحياة!