+A
A-

2020 وضربة موجعة لقافلة الفن والإبداع

شهد العام 2020 رحيل عدد من رموز الفن والأدب في البحرين، ما شكل خسارة كبيرة بل وضربة موجعة لقافلة الفن والإبداع، وأدخلتنا في مسارات ملتوية ومعقدة وكآبة نفسية مزمنة قد لا تذوب مع مرور الزمن، لأن برحيل المبدع يختفي بريق النجوم ويكف دولاب العظمة والخلق عن الدوران ويلفنا حبل طويل مفتول بشكل يدعو الى الألم، ونشعر حينها اننا نركض دهرا بلا نهاية.
أول الراحلين كان صديق العمر الفنان علي الغرير، الذي توفي بتاريخ 22 يناير، وبوفاته اشتعل الحزن في كل بيت وذبلت الأغصان في الحدائق، فقد كان ممثلا محبوبا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فنان بارع يعرف كيف يستغل كل العناصر مجتمعة لإحداث الاستجابة الفكاهية الملائمة، ولئن يكن الفاصل بين الدراما والكوميديا خيطا رفيعا كحد الشعرة، إلا انه "أي الغرير" وبنجاح يعرف كيف يسير بالمواقف الهزلية على شفا "الدراما"، وان يجعل طابعها الإنساني أو صبغتها الوجدانية تستثير الشفقة الزائدة.
وثاني الراحلين كان شاعر البحرين الكبير والمعلم الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، الذي توفي في شهر مارس، وبوفاته دقت نواقيس الاحزان عبر الضباب وارتسمت على شفا محبوبته البحرين التي طالما تغزل فيها شعرا، حزن يتدفق كاللهب. فليس هناك مطرب لم يغن من كلماته والتي تمتاز بخصوصية التعبير الشعبي البحريني والمحرقي خصوصا وتدور فيها كلمات بيئتنا الجميلة.
وثالث الراحلين كان الفنان والأديب القدير راشد المعاودة في 15 يوليو، بعد حياة حافلة بالعطاء والإنجازات تعدت النطاق المحلي إلى البقعة العربية ككل، وشخصيا كنت قريبا جدا من المعاودة بحكم صداقته القوية مع الوالد الأديب محمد الماجد، إذ كان يزورنا باستمرار في بيتنا القديم بالمحرق في السبعينات ويجلس مع الوالد ساعات طويلة، حيث يتبادلان مختلف الأحاديث الثقافية والأدبية، وحتى عندما انتقلا إلى مدينة عيسى ظلت علاقتهما كالوهج في الأفق، كالدم المتدفق في جسد الحياة.
ورابع الفرسان الذين ترجلوا الفنان الكبير سلمان زيمان "بوسلام" في شهر يوليو أيضا، صوت الخريف الممطر وأغطية البراءة. قصيدة معلقة في حدائق الروعة. سلمان زيمان أحد أهم المطربين الذين تركوا بصماتهم على المسرح الخليجي والعربي، ووصلت أغانيه وأعماله الى أقصى حد، وعمل بعيدا عن الأضواء والضجيج وعرفه الوسط الفني بالطيبة والتواضع والأخذ بيد المواهب الواعدة.
وأخيرا حط على مقلتنا السواد وكأننا موعودون بالحزن الخرافي والغريب في 2020، برحيل خامس الفرسان الروائي والسيناريست الصديق فريد رمضان، الكاتب الذي أدرك العالم وفهم الحياة بصحة ودقة وبعمق وشمول، وأستوحى جوهر أعماله "القصص والروايات والأفلام" من صميم واقع المجتمع، وقدمها إلى القارئ والمشاهد عذبة كما يرشف النحل الرحيق من الزهور ويصوغه عسلا لذيذا.
برحيل هؤلاء الفرسان عنا، نام الإبداع على الرمل ظلا حزينا وصوتا يعرش في ضفتيه الأسى وتشب الهموم. أن تفقد بلدا 5 مبدعين في عام واحد، فهذا يعني أن الجرح سيرتدي الجسد كلهيب الصواعق.