العدد 4488
الأربعاء 27 يناير 2021
banner
إنما الأعمال بالنيات
الأربعاء 27 يناير 2021

أبدأ مقالي بالحديث الشريف "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وأرجو ألا يتهمني أحد بالكفر والإلحاد وغيرها من العبارات التي يتداولها البعض بدون معرفة معناها، وموضوع مقالي تطرقت له مسبقًا، وسبب إعادة كتابته هو حرصي من أعماق قلبي على إصلاح ما يمكن إصلاحه وخدمة هذا الوطن الغالي.

فحسب الإحصائيات الرسمية فإن إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية تشرفان على ١٣٢٠ مسجدًا و٦٣٢ مأتمًا! وبالطبع العدد في ازدياد بشكل مضطرد، وقرأت مؤخرا بأن هناك خطة لبناء ٢٢ مسجدًا إضافيًا في مدينة حمد ومنطقة اللوزي، وهذه المساجد في طريقها إلى التنفيذ من أصل أكثر ٤٠ كابينة غير مرخصة تم تشييدها في أماكن مختلفة وبشكل غير قانوني! وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف أخذت على عاتقها اتخاذ الإجراءات القانونية وتصحيح مسار هذه الأعمال التي هي بمجملها بلا شك تنبع من أهل الخير والمحسنين بنية فعل الخير ولكنها ليست بصورة صحيحة أو قانونية، والسؤال الذي يطرح نفسه وسيبقى لغزًا محيرا بكل صدق وأمانة وبعيدا عن المزايدات.. هل نحن فعلًا بحاجة إلى هذا الكم من المساجد والمآتم في بلد بهذه المساحة الصغيرة وعدد سكانه لا يتجاوز مليونا ونصف؟!
بعض السادة النواب "سامحهم الله" أخذوا على عاتقهم ملف بناء المساجد والدفاع عن بنائها في مختلف المحافظات وذلك لكسب تعاطف المواطنين والناخبين مستقبلا، ويقول المثل "اللي يبا الصلاة ما تفوته"، حيث يُشبه الرغبة في إنجاز عمله بالصلاة الواجبة والمفروضة، ومن يبحث عن الخير سيجده مهما كانت الظروف، وكذلك الحال لمن أراد أداء الصلاة فعليه الالتزام بالوقت دون البحث عن أعذار، وذلك من صميم الثقافة الإسلامية التي تدعو لأداء الصلاة في وقتها، فإن وجد ماء توضأ وإن لم يجد تيمم، وإن وجد مسجداً صلى، وإن لم يجد صلى على الأرض التي جعلت طهوراً ومسجداً، والخلاصة هي أن من يريد الصلاة فلا يتعذر بعدم وجود مسجد قريب، فالكل يملك وسائل نقل مختلفة ومتوفرة ولا داعي للتعذر بأعذار واهية وغير مقبولة ولا يرضاها الله.
نبينا صلى الله عليه وسلم قال "من بنى لله مسجدًا بنى له الله بيتًا في الجنة مثله"، لكن هذا لا يعني أننا لا نرفض طلبات بناء المزيد والمزيد، وفي اعتقادي بأن الأجر والثواب يكون ذاته إذا قام المحسنون وفاعلو الخير ببناء مركز للأيتام أو المكفوفين أو العجزة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إنشاء مركز صحي أو التبرع بشراء أجهزة طبية أو تقديم مساعدات شهرية للعائلات المحتاجة أو تقديم دعم مادي للمرضى الفقراء لتلقي العلاج في الخارج والقائمة تطول، فهناك الكثير من العوائل البحرينية التي عرفت بكرمها وعطائها وأياديها البيضاء ونرفع لهم القبعة، فقد ساهموا في بناء الكثير من المشاريع الرائدة والضرورية التي تنقصنا لتخدم جميع المواطنين والمقيمين على حد سواء، ولم يقوموا قط ببناء جامع واحد، فهل هؤلاء الناس لا تبنى لهم بيوت في الجنة.
لنكن واقعيين.. هل نحن بحاجة إلى بناء مزيد من المساجد والمآتم في أنحاء البحرين؟ لقد انتقل عدد كبير من العوائل البحرينية إلى خارج المدن ذات الكثافة السكانية وأصبحت المساجد والمآتم خاوية نظرًا لوجود العدد الأكبر من الجاليات الأجنبية غير المسلمة، فهل نحن بحاجة إلى إبقائها إلى الآن؟ حيث وجودها يتطلب ميزانية تشغيلية للصيانة المستمرة، ناهيك عن رواتب الأئمة والخدمات اللوجستية الأخرى.
كلي أمل أن يتم وضع معايير واضحة وبشكل علمي بعيد عن المجاملات والتأكيد والحرص على المصلحة العامة لوطننا الغالي وشعبنا الوفي. والله من وراء القصد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية