+A
A-

بقيت نار الحماسة مشتعلة رغم جائحة كورونا

احتفل العالم العربي بتاريخ 10 يناير باليوم العربي للمسرح في ظروف استثنائية قاهرة فرضتها جائحة كورونا، فتعطلت جميع المسارح من المحيط إلى الخليج، واختلطت الألوان على المسرحيين الذين كانت ابتسامتهم رقيقة خالية من أي معنى وهم يواجهون هذه الحياة المتعبة. وانتفخت الوجوه وتورمت الأعين بصورة مرعبة كرعب الإصابة بفيروس كورونا اللعين، الذي لوى ذراع العالم وجعل كل شيء مكتسيا بالضباب، حتى تخيل لنا أننا لن نعود كما كنا في السابق وان الحركة المسرحية انتهت، وعلينا أن نحفر الصخر بأظافرنا كي نبني البناء، ولكن البناء قد بني، والأساس رسخ، ومن المستحيل القضاء على المسرح في الدول العربية وفي شتى دول العالم.
صمد المسرحيون ولم يهابوا الغوص في بحار التحديات التي فرضتها كورونا، واستمرت الهيئة العربية للمسرح بقيادة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي في أنشطتها "عن بعد"، ودعمت المسارح بما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وحملت عبء المهمة وحيدة من اجل بقاء راية المسرح العربي عالية خفاقة، ووفرت له غذاءه الشرعي وصانت حريته وأبعدته عن وطء الحاجة، وقدمت الجوائز المادية والمعنوية للفرق المثابرة وانطلقت به انطلاقة مزدهرة سليمة الاتجاه، وهذا السبيل عميق الأهمية لأنه يقدم للمسرح فنانه وكاتبه في الغد.
بفضل الهيئة العربية للمسرح، تحققت للمسرح العربي نتائج باهرة حتى في أحلك الظروف – كجائحة كورونا – فاختفت الفجوات التي تعيق الحركة المسرحية وتوسعت خطاه، ونال الأهمية التي يستحقها وبقيت نار الحماسة مشتعلة، وأعجبتني جملة رائعة للفنان البحريني القدير عبدالله ملك حين قال "إن الهيئة العربية للمسرح تعتبر المسرح إحدى الضرورات اليومية ولابد من الأخذ بيده". وأثناء وجودنا في العاصمة الأردنية عمان العام الماضي، لحضور فعاليات الدورة الثانية عشرة من مهرجان المسرح العربي، سمعت الفنان الكبير خليفة العريفي يقول لأحد أصدقائه قبل الدخول لعرض مسرحي "لو لا الهيئة العربية للمسرح، لسار المسرح بأقدام عارية مضطربة".
كلمة اليوم العربي للمسرح لهذا العام ألقاها الكاتب المسرحي إسماعيل عبدالله قبل أيام، وكانت مثل مرور موكب جميل ينثر الأزهار تحت أقدامنا ويلفنا بالبهجة.. ويقول إسماعيل: علينا كمسرحيين أن نتحلى بجرأة الأبطال التراجيديين في إقصاء سطوة القوى الغيبية لنرش الملح على جراح الواقع، ليزأر الجرح بصدى الجواب.
علينا أن ندحر المستكين لنكتب بسكين الحقيقة على خشب مراكبنا التي تترنح وسط أمواج هذا العالم الصاخب المنكر لقيم الحق والخير والجمال، علينا أن نقلقه بالسؤال، ونغيره بالجمال، علينا أن نقتله بالمعرفة، علينا أن نمحو أسلاكه الشائكة بورد فيرده سياجًا للبهجة.. حري بالمسرحي اليوم أن يكون السارية التي ترفع راية الحق والجمال والحرية، ولنعلم أننا في زمن ردة، ردة العالم عن قيمه، فهذا العالم اليوم يدفع نحو التحول إلى عالم جفت فيه منابع إنسانية عديدة كانت على مدى التاريخ ملاذًا آمنا للأجنحة المتكسرة، وعلى المسرح أن يكون دافعًا ومدافعًا عن القيم التي تشكل كنهه وكينونته. علينا أن نسلح أبنائنا بالمسرح ليكونوا أصحاء يؤمنون بالحوار ويدركوا بالخيال ما وراء المشهد العام ويحللوا بالمنطق أحداث الزمن الذي يعيشون؟ يا معشر المسرحيين، أمامنا جميعًا استحقاقات كثيرة، أهمها نضال النفس وترويضها على الصعاب فمن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، وترويضُها لتحمل أعباء الحلم وعزة النفس والروح، إذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ، ترويضُها لتقول لا حين تكون اللا طلقة لا ترد وتفتح باب النور).
ما أجملك أيها المسرح بضربة مطرقة "جان انوي"، وقسوة "فرنسوا مورياك"، وظلام "جان انوي"، فأنت الذي تجعلنا قادرين على مواجهة حماقة الحياة.