العدد 4197
السبت 11 أبريل 2020
banner
عمرو أبوالعطا
عمرو أبوالعطا
يوميات مغترب في زمن الكورونا
السبت 11 أبريل 2020

ولأنني أعيش بخيالي بأكثر مما أعيش في بعض الأحيان بواقع الحياة ، فان فكرة العزلة التي أنا عليها  بسبب كورونا تفتح لي أبوابا ومتسعا من الخيال أكثر فأكثر ، في الحقيقة أنها تدفعني أكثر الي الواقع الملموس ممزوجا بخيال مبهم .

استيقظت اليوم قبل موعدي ، هناك طاقة غير عادية بداخلي  تدفعني الي الجنون ، لم أستطع الجلوس في فراشي أو الانتظار في البيت ، لم يبق سوي ساعات قليلة علي الحظر هي فقط تسمح لي بالسير في الشوارع والنظر في وجوه السائرين ، الشوارع كانت شبه فارغه ، بالكاد الخطوات تشق السكوت ، استقبلني هواء بارد فانتعشت ، وكأن العالم ملكي ، لم أعد أكره الحياة كما كنت من قبل ، أساس الحالة التي نعيش بها كبشر ، في اننا يجب ان نعيش في سلام مطلق مع ذاتنا ، السلام النفسي ، لحظة استثنائية وصلت إليها ، أنا نفسي لا أدري كيف ومتي ؟! ، اللحظة التي استيقظت من نومي ورأيت العالم بشكل مختلف كطفل يراقب بابتسامة حالمة وبراءة مبهجة .

في وجوه السائرين اسئلة و خوف ، كل شخص منهم دفعته الحياة الي مشكلات وصراعات أصبحت تافهة في نظره هذه الأيام ، يبدوا عليهم الندم ، ولو علموا ان الحياة لا تستدعي الصراع والألم ، لخجلوا من أنفسهم ، حينها شعرت بالشفقة عليهم والحنان لأنهم لا يعلمون .

انني لا أقبل أن أبدل حياتي بحياة أخري ، قد تكون حياتنا في الغربة خشنة وقاسية ، ولكننا نشعر في وقت ما علي الأقل بالتحرر من القلق ، ولقد كان كل شئ يسير علي ما يرام ، ولكن فيروس لا تراه العين المجردة جعل الشوارع فارغة والعصافير تترك أغصان الأشجار ، جعل العالم يعيش في هدوء ، لن تذهب الي المكان الذي تحبه ، ولن يبدأ العمل في وقت مبكر ، والنهار طويل في هذه الأيام ، سأسير ثلاثة أميال أخري ثم أنحرف يمينا ، هذا المكان جميل ، وكلما أمعنت في السير تبدوا لي الشوارع أجمل .

نظرت الي الشمس قد حازت الأرض ، وأختفي جانب منها ، فأدركت حينها أنه يجب عليا العودة الي البيت ، أقترب الظلام ، وشعرت بالاضطراب ، مضطرب الي أبعد الحدود ، وساد السكوت العميق لساعات .

في ساعات الليل تهتز الروح بالذكريات ، وتميل ميلا خفيفا في حزن وأسى  ، هناك أشياء نفيسة وعزيزة بداخلنا ، نؤثر أن نبقيها كامنة في زاوية من ارواحنا بعيدة عن العيون المتطفلة ،وتبدأ ساعات الوحدة والسكون ، أصبحت لونها ثابتا وكأنها ضوء من درجة خاصة ، أيام وليالي لا مثيل لها ، ولم أعرف من قبل شيئا يقاربها أبدا .

جلست متأملا تلك السنوات التي مضت من عمري ، وهي تلوح لي بعيدا ، بين عدد لا نهائي من الذكريات والمشاعر المتضاربة ، والقليل من الأمنيات المتحققة ، أجدني أتساءل بيني وبين نفسي " هل انت سعيد في الغربة ؟ "  ، رغم كل الاخفاقات والصراعات الحياتية ، كان يجب ان اعترف لنفسي أنني سعيد وسط كل هذا العالم الصاخب الحزين ، الوحدة ، الكذب ، قسوة الغربة .

سعيد رغم هذه الأيام التي نعيش فيها ، تذكرني كل دقيقة بضعفي كإنسان ، تعيد لي حساباتي وترتيب حياتي ، تذكرني من أنا ، ومن كنت ، ومن أريد أن أكون ، فالسعادة قد تأتي في رحم المعاناة .

ان الحياة في هذه الغرفة لم تعد تطاق ، البحث عن الأمل هو الحل المنطقي للخروج من هذه الحالة ، إذا كان الأمل يبحث عن شابا مثلي ، يمده يده من تحت أنقاض الاكتئاب ، ويشنق اليأس نفسه في سقف الغرفة ، فسوف أنتظر طويلا ، طويلا جدا ، للأسف ما عدت أنتظر ومع ذلك بين حين وأخر ، تتوقف أيامي بكل لؤم وتدعوني الي بعض الأمل ، وبكل يأس أتجاهلها .

لدي 5 أصدقاء أتواصل معهم يوميا علي برامج التواصل الاجتماعي هم " أدم ، عمر ، علاء ، أحمد ، وائل " نتناقش في بعض الأمور ، نتسلي ليمر الوقت بسلام ، نتبادل بعض النصائح ، نحكي ما مر معنا خلال اليوم ، لكل شخص فيهم شخصية مختلفة لكن في النهاية نحب بعضنا الأخر .

كانت أحاديثنا الأولي ، نستلذ باعترافات خطيرة ، نخشي أن يضحك أحد منا في الظلام ، وفي منتصف الحديث كنا مدهونين بالأسي والخوف ، بقي الصوت حاضرا ، وفي نهايته أعرف جيدا لما افترقنا ؟ ، فينتهي بي الأمر بالصمت ، وإنصافا للواقع الذي نسعي في انكاره ، وسيكولوجية العقل التي نحاول ان نعارضها ، والحقيقة التي نزيفها من أجل ان يرتاح ضميرنا ، نحن نعاني فراق الأحبة والأهل ، نعاني من غربة مجهولة الهوية .

سأكتب بقدر انزعاجي ، بقدر الأيام التي تنقضي في هذا الحظر ، بقدر الوقت الذي يتسرب بخوفي من كورونا ، حتي الأكل والنوم والاستحمام اصبحت معوقات انجزها بصعوبة ، لن أفعل أمرا خارقا ، أردد النشيد الوطني فقط ، وأشتاق لقريتي الصغيرة ، هذا ما أستطع فعله ، فماذا كانت تريد هذه الغربة السخيفة أن أفعل غير ذلك ؟! .

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .