العدد 2918
الإثنين 10 أكتوبر 2016
banner
يا زمان الاستعراض والتعريض
الإثنين 10 أكتوبر 2016

ربما كان الخبر الأشهر والأكثر انتشاراً في وسائل التواصل الاجتماعي مساء الجمعة الماضية، شراء هندي بإحدى الدول الخليجية لوحة معدنية تحمل الرقم D5 بثلاثة وثلاثين مليون درهم. والخبر هذا لا يخلو من “استعراض” و”تعريض” في آن معاً، فالاستعراض هو بارتفاع أسعار اللوحات المعدنية للسيارات، ولا أدري ما الدافع من وراء استعراضها على هذا النحو، وبهذه الفجاجة، ولكن لا غرابة إن أتى خبر كهذا في جو لا يحفل إلا بالسفاسف وسقط الأخبار، والفرقعات الإعلامية، ولفت الأنظار بأيّة وسيلة كانت. أما التعريض، فهو الاهتمام والتركيز على جنسية المشتري، وهو “هنديّ”، وكأن الأمر من الأعاجيب العظيمة، إذ انه بالتأكيد تم عرض الكثير من الأرقام “المميزة” تلك الليلة، ولكن عندما اشترى “الهندي” اللوحة، صار هذا هو الخبر!
لقد أثّرت التشوهات التي خلقتها الوفرة النفطية في العقود الأربعة الماضية في بنية التفكير في منطقة الخليج العربي، حتى انبنت عقد على مستوى المؤسسات والأفراد بأنه يجب ألا يمر أبناؤهم بما مروا به، أو مرّ به آباؤهم، حتى نتج جيل خديج لا يقوى على العمل، والجهد العضلي أو العقلي، وتربّى على أن هناك من سيقوم بالأمور نيابة عنه، سواء كان ذلك في كنس الشوارع أم في الحلول في الأعمال محلهم، أو رديفين بهم، إذ يجري في بعض الدول أن يعيَّن موظفو ظل، ومديرو ظل، لموظفين مواطنين يستلمون رواتب، وترقيات من دون أعمال، وليس من المستبعد أن يكون هناك وزراء ظل، وهم المستشارون الآتون من خارج الحدود، من دون أن يتعمّدوا استنشاق الهواء الأول، وإطلاق العطسة الأولى في هذه البلدان، مع انجراف هائل محلي بأن يعطس أولاد المنطقة عطستهم الأولى في بلاد أخرى يتوقون للحصول على هوياتها ربما لأسباب استعراضية، كأصحاب اللوحات المعدنية.
يقابل ذلك ثراء في بلد كالهند، مبني على أسس راسخة، على المستوى الفردي والوطني، إذ تعد الهند اليوم عاشر دول العالم في عدد براءات الاختراع، وأسماء الهنود اليوم باتت متصدرة المشهد التكنولوجي الذي يدين له العالم، إذ يسيطر عدد من ذوي الأصول الهندية على بعضٍ من أهم الشركات العالمية في صناعة المعلومات، من مثل غوغل، وصن مايكروسيستيمز، ومايكروسوفت، وأدوبي، وسيسكو، وهي في الترتيب الرابع من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بحسب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وكتاب “حقائق العالم”. والهند هي رابع أقوى جيش في العالم، والثالث كأكبر عدد من القوات المسلحة (1.3 مليون جندي). ولا عجب أن في أمة العرب 38 مليارديراً، وفي أمة الهند 103 مليارديرات.
يقول أحد الاقتصاديين: “لقد منحنا الله تعالى فرصة النفط، ليرى ما الذي سنفعل بها”، هل سنشكر أم سنكفر؟ أرى أننا شكرنا بالآلاف التي وزعناها، وأعنّا بها، وسددنا بها ثغرات، ولكننا كفرنا بتبديد تريليونات، لم تجلب علينا سوى السمعة المتردية من القريب والغريب في آن معا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .