العدد 5675
الأحد 28 أبريل 2024
banner
العودة إلى حرب الظل
الأحد 28 أبريل 2024

أجمعت مختلف التحليلات العالمية في محيط إيران والولايات المتحدة، إضافة إلى الصحافة الإسرائيلية، أن إيران وإسرائيل عادتا إلى الوضعية السابقة التي كانت سائدة بينهما قبل قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. أي إلى ما سمي بـ “حرب الظل”، وهو الاسم الحركي للحرب غير المباشرة التي كانت دائرة بين طهران وتل أبيب.
وأظهرت التطورات وبضغط واضح من الولايات المتحدة الأميركية، ورضى إيران، أن بنيامين نتنياهو أبلغ حليفته وحاميته الولايات المتحدة أنه سيرد على إيران، لكن من دون إسقاط معادلة الاستقرار الإقليمي المطلوبة. وهذا ما أبلغه عشية الهجوم على أصفهان الإيرانية للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر. المعروف بـ “الكابينت”، وهو أن إسرائيل سترد على الرد الإيراني من دون أن يؤدي ردها إلى حرب إقليمية كانت قد لوحت بها إيران وتريد أميركا تفاديها. بات مسلما، ومعروفا، لدى أغلب الدول والأطراف الإقليمية الدولية الفاعلة أن الولايات المتحدة لا ترغب في فتح حرب كبرى ثانية بالتوازي مع حرب أوكرانيا، لكي لا تضعف جبهتها في أوروبا، كما أن إيران ترغب أيضا في تجنب حرب إقليمية تعرض فيها مصالحها الوطنية والقومية للخطر. الخصمان، إيران وأميركا، يستخدمان الحلفاء والأذرع الخادمة في المبارزة، ولا يبدو أنهما سيغيران الأسلوب. اعترف نتنياهو لأميركا في النقاش بأنه تصرف بشكل خاطئ حين قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقدر أن إيران لن ترد وستبتلع الإهانة، وبعد أن ردت وكادت الأمور تخرج عن السيطرة، اكتشف ضعفه بعد تعاون وتلاقي دول غربية عدة لحمايته من الرد الإيراني، فخضع مؤقتا ومجددا لتوجيهات وتعليمات بايدن. إيران فهمت الرسائل الموجهة في المنطقة والعالم، ولم تعلن عن أن أراضيها انتُهكت من الطائرات والمسيرات الإسرائيلية في أصفهان. 

وتصرفت وكأنها لم تر ولم تسمع، فأمنت تغطية لسكوتها وهذا ما أرادته إسرائيل التي لم تكشف تفاصيل ما قامت به من عمليات وعن الأسلحة التي استخدمتها، حتى لا تحرج إيران.
ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أمرا واحدا، وهو العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة التي حاول نتنياهو إسقاطها واكتشف عجزه وضعفه وحاجته إلى الحماية الغربية السافرة، والتي من دونها لن تصمد إسرائيل أمام هجوم إيران وأذرعها إذا ما قررت ذلك.
المعروف أن بعض الأجهزة الأمنية في دول عديدة، حين تقرر توجيه رسائل قوية إلى مواطنين مراقبين أو محميين من وسائل الإعلام والمنظمات المدنية، أنها تلجأ الى أسلوب الضرب والقمع من دون أن تترك أية آثار ظاهرة على الأجسام، لكي لا تدان وتحرج السلطات المسؤولة عنها.
إسرائيل اعتمدت نفس الخطة، أي أنها ردت على إيران، ولم تعلن ذلك. وإيران تلقت الضربة ولم تقل إن سيادتها في أصفهان تعرضت للانتهاك من إسرائيل. وكل ذلك من أجل العودة إلى القواعد السابقة لحرب الأذرع المسماة بـ “حرب الظل” أو “الظلال” من دون أن يحرج أحد خصمه ويكشف ستره.

كاتب وأستاذ جامعي من لبنان

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية