لا يمكن تجاهل أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نجح عبر صفته الأساسية كشرير وعدو ماكر في استدراج إيران إلى قلب المعركة الجارية منذ السابع من أكتوبر، ومما لا شك فيه أن عملية الرد الإيرانية على قصف إسرائيل قنصلية إيران في دمشق التي أوقعت ضحايا مهمين لإيران ومحرجين لها، شكلت دفعا للتوتر وارتفاعا كبيرا في الإثارة ودرجة حبس الأنفاس والتشويق الحربي والعسكري والسياسي والإعلامي في المنطقة والعالم.
لقد حاولت طهران منذ اندلاع حريق طوفان الأقصى أن تبتعد عن المشاركة في المعركة أو الانجرار إليها، لأكثر من سبب إيراني يتعلق بالدهاء وتكتيك التخفي واستخدام الحلفاء والأذرع في المواجهات عبر تسميات ومبررات متعددة أولها تعبير “الصبر الاستراتيجي” الذي ابتكر إثر اغتيال قاسم سليماني والهروب من الرد الفعال على أميركا، وثانيها تعبير “حرب الظل” عبر استخدام أذرعها وأسلوب شق وتفرقة الخصوم واستخدام الحلفاء لإبعاد الحرب عن إيران، ضمن تكتيك “القتال بالغير” لحماية المكتسبات القومية الإيرانية النووية وغير النووية، وقد وصل الأمر بأن المرشد علي خامنئي أعلن بوضوح أن إيران لم تكن تعلم بعملية طوفان الأقصى. بالرغم من كل ذلك لابد من الاعتراف بأن نتنياهو الباحث عن فرص لتوسيع وتكبير الحرب في المنطقة للنجاة بنفسه نجح في جر إيران إلى قلب المعركة رغما عنها ورغم محاولاتها الابتعاد والتخفي، والقيادة من الخلف. كان قصف القنصلية الإيرانية في دمشق عملا حاذقا وماكرا وشريرا من الدرجة الأولى أوقع طهران في فك التصعيد والانجرار إلى المعركة التي لا تريدها وتريد الابتعاد عنها، إذ لم تعد قادرة على التخفي ودفن الرأس بالرمال. عملية قصف القنصلية سجلت تحت بند واضح وهو اعتداء إسرائيلي على أراض سيادية إيرانية في وضح النهار وأمام أعين الرأي العام لا مفر منه ومن تأثيراته وانعكاساته، ما استدرج طهران إلى الرد وقلب المعركة.
بعد الرد الإيراني بات العالم الغربي وأميركا على وجه الخصوص يحسب ألف حساب لما هو آت وممكن أن يحدث.
قبل قصف القنصلية كان العالم الغربي قاب قوسين من فرض وقف إطلاق النار على إسرائيل في غزة، ومنعها من الهجوم على رفح. بعد الرد الإيراني الاستعراضي وظهور إمكانيات طهران العسكرية، والتي استخدمت كل أشكال استعراض القوة بات العالم الغربي يقف مجددا إلى جانب إسرائيل وقد جدد لها التفويض باستكمال الحرب على ما تبقى من الشعب الفلسطيني.
العالم بات الآن يخشى من إيران وعلى إيران إذا ما جُرحت ومن إسرائيل التي قد تصاب بالجنون وعلى إسرائيل التي قد تدمرها الحرب.
إسرائيل التي كانت محشورة بسبب جرائمها ضد الفلسطينيين باتت مرتاحة للرد وتوسيع نطاق الحرب في كل المنطقة، وصولا إلى أصفهان كما حدث فجر يوم الجمعة.
الرد الإيراني الاضطراري كشف قوة طهران العسكرية وكشف ضعفها في الوقت عينه. وباتت طهران تحت المجهر مجددا فيما تراجعت الضغوط على نتنياهو الذي كان يقف على حافة السقوط، فانتقل إلى رصيف الانتظار والمراقبة والمشاغلة في استكمال حربه على خصومه.
نجح نتنياهو الشرير وارتبكت طهران، فكانت عملية الرد كشفا من جهة لقوة طهران ونقاط ضعفها، ومكر تل أبيب وخبثها وسط تقدم وإحاطة غربية مجددا لحماية إسرائيل التي باتت تحظى من جديد بالعناية والتعاطف.
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان