العدد 5675
الأحد 28 أبريل 2024
banner
اقتصاد ريادة الأعمال من مشاهدات فردية متفرقة إلى ظاهرة عالمية متماسكة (6-1)
الأحد 28 أبريل 2024

بخلاف ما يعتقده البعض، بمن فيهم خبراء الاقتصاد، حول نشوء وتطور مفهوم “اقتصاد ريادة الأعمال”، يمتلك هذا النمط الاقتصادي جذورا تاريخية عميقة  تعود إلى الدراسة الأوسع والاعتراف بريادة الأعمال كعنصر حاسم في النمو الاقتصادي والابتكار. وكغيره من المفاهيم الاقتصادية الأخرى، تطور المصطلح نفسه بمرور الوقت، متأثرا بالتطورات التي عرفتها الاقتصادات العالمية، سواء على المستوى الدولي العام أو الإقليمي المحدود، أو القطري الخاص. وقد ارتبطت الخطوات الأولى باجتهادات العديد من رواد الفكر الاقتصادي ذاته.
التطور التاريخي للمفهوم
تمت مناقشة أهمية رائد الأعمال في الوظائف الاقتصادية بشكل ملحوظ من قبل الاقتصاديين مثل ريتشارد كانتيلون (1680 - 1734)، الذي غالبا ما ينسب إليه الفضل في تعريف رائد الأعمال أولا على أنه مجازف كونه من أوائل من حددوا رائد الأعمال فعليا، واصفا إياه بأنه وكيل يشتري بأسعار معينة ويبيع بأسعار غير مؤكدة. فيتحمل المخاطر المرافقة لدورة الشراء والبيع هذه. وسلط رأيه الضوء على دور رائد الأعمال في خلق النشاط الاقتصادي والتعامل مع عدم اليقين، وهما عنصران أساسيان في اقتصاد ريادة الأعمال اليوم.
لكن لا يمكن إنكار دور رواد آخرين من أمثال جهود جان بابتيست ساي (1767 - 1832)، الذي بدأت أعماله حول “اقتصاد ريادة الأعمال” في أوائل القرن 19، بعد أن أضفى على التعريف المزيد من الوضوح، أدى إلى  تسارع وتيرة تطوير هذا المفهوم.  وقد توسع ساي في أفكار كانتيلون واشتهر بمساهمته في مفهوم رائد الأعمال كشخص يحول الموارد الاقتصادية من منطقة ذات إنتاجية منخفضة إلى منطقة ذات إنتاجية أعلى وعائد أكبر.
وقد أكد ساي على دور رائد الأعمال في خلق القيمة المضافة، وهو عنصر أساسي في النظم البيئية الحديثة لريادة الأعمال. فقال إن رواد الأعمال مهمون للتنمية الاقتصادية، لأنهم ينشئون أعمالا جديدة. ويبتكرون ويولدون فرص العمل.
لكن ربما جاءت نظريات جوزيف شومبيتر (1883 - 1950)، كي تفرض نفسها بشكل أكثر وضوحًا، ومن ثم تأثيرًا من حيث تشكيل المفهوم الحديث لـ “اقتصاد ريادة الأعمال” بشكل مباشر. فقد أكدت فكرته عن “التدمير الخلاق”، وهي العملية التي يتم من خلالها تدمير الطرق القديمة للقيام بالأشياء، واستبدالها بطرق جديدة، على الدور الديناميكي لرواد الأعمال في دفع الابتكار والتقدم الاقتصادي. 
وضع شومبيتر رواد الأعمال في قلب التغيير الاقتصادي، مؤكدا على دورهم كمبتكرين “يزعجون” الأسواق القائمة، ويقدمون منتجات وتقنيات جديدة ، وبالتالي يغذون النمو الاقتصادي والقدرة التنافسية.

لقد أضاف كل واحد من هؤلاء الاقتصاديين طبقات من العمق إلى الأهمية الاقتصادية لرائد الأعمال، مما مهد الطريق لـ “اقتصاد ريادة الأعمال” كمرتكز استراتيجي معترف به في التنمية الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن مصطلح “اقتصاد ريادة الأعمال” كمفهوم متميز ليس له “مخترع” محدد أو نقطة منشأ واحدة. فقد تطور بشكل تدريجي، مع بدء العلماء وصانعي السياسات في التعرف على الديناميات الفريدة للاقتصادات المدفوعة بالابتكار وأنشطة بدء التشغيل وإنشاء المشاريع، ولا سيما في النصف الأخير من القرن 20.

لكن لم يتبلور المفهوم بشكل واضح. ولم يبدأ التطبيق الفعلي والاستخدام الواسع النطاق للسياسات المصممة خصيصا لتعزيز النظام البيئي لريادة الأعمال إلا في الجزء الأخير من القرن 20 ، لا سيما في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا.
وجاء ذلك بعد صعود وادي السيليكون كمركز عالمي للتكنولوجيا، الذي جسد أمثلة  بارزة وملموسة على ريادة الأعمال التي يتم رعايتها بشكل منهجي من خلال مزيج من الأبحاث الجامعية، ورأس المال الاستثماري، والبيئة التنظيمية الداعمة.
باختصار، في حين لم يستخدم أي من هؤلاء الاقتصاديين عبارة “اقتصاد ريادة الأعمال” بشكل مباشر، فإن أعمالهم الجماعية شكلت بعمق كيف تنظر الاقتصادات إلى نشاط ريادة الأعمال وتدمجه كعنصر مركزي للديناميكية الاقتصادية والنمو. وقد أدى هذا التطور المفاهيمي إلى إعطاء الأولوية لريادة الأعمال في الاستراتيجيات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، من السياسات التي تشجع ثقافات الشركات الناشئة إلى الاستثمارات في مراكز الابتكار.
شكلت تلك الاجتهادات مشاهدات فردية متفرقة لم ترق إلى مستوى النظريات المتكاملة التي تتحدث عن إقتصاد ريادة الأعمال بوصف كونه إقتصادًا متميزًا، يختلف عن سواه من الاقتصادات الأخرى التي وضع أسسها رواد من أمثال آدم سميث مؤلف “ثروة الأمم”. 
هذا يبيح لنا الذهاب إلى القول إن مصطلح “اقتصاد ريادة الأعمال” كمفهوم متميز ليس له “مخترع” محدد أو نقطة منشأ واحدة. فقد تطور بشكل تدريجي، مع بدء العلماء وصانعي السياسات، في التعرف على الديناميات الفريدة للاقتصادات المدفوعة بالابتكار وأنشطة بدء التشغيل وإنشاء المشاريع، ولا سيما في النصف الأخير من القرن 20، لا سيما في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا التي هبت على أقتصاداتها المتباينة في تطورها، رياح “اقتصاد ريادة الأعمال”.

 

* خبير إعلامي بحريني، رئيس الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .