العدد 2893
الخميس 15 سبتمبر 2016
banner
الطبقة الوسطى تتآكل
الخميس 15 سبتمبر 2016

للكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم توصيف بالغ الدقة يعالج من خلاله الأسباب المفضية لتآكل طبقات المجتمع. إذ يصف المجتمع العربيّ بأنه مجتمع الصراصير الذي يختلف تماما عن مجتمع النمل. فالنملة عندما تعثر على قطعة سكّر فإنّ جماعات النمل تهرع حولها لحملها، وهذا يمثل تجسيدا رائعا للتعاون، وعلى النقيض من هذا نجده بين مجموعة الصراصير. إذ قلّما نجدها تحمل فكرة وتعمقها وتفيد بها لأنّ كل صرصار مشغول بنفسه فقط. وبناء على هذا فإنه لا يوجد بناء فكري أو فلسفي أو أدبيّ يقوم شامخا أو متكاملا، الموجود أفراد وكل فرد مشغول بفكرته يحملها وحده ولا يلتفت أو يهتم إلاّ بما يحمله هو، ولعل هذا هو سرّ تخلف مجتمع الصراصير. 
إنّ السؤال الذي بات موضع قلق لدى كل المهتمين هو: لماذا تآكلت الطبقة الوسطى في بلداننا العربية؟ لكن يجدر بنا أولاّ ان نتوقف امام مفهوم الطبقة الوسطى كما عرفه علماء الاجتماع، انها طبقة تتمتع بقسط مناسب من الدخل والتعليم وتتضمن شرائح الموظفين والعمال المهرة ورجال الأعمال وغيرهم، وتتصف بتقدير المسؤولية واحترام الذات والعمل الجاد”، ويهمنا هنا التأكيد على انّ هذه الطبقة تعد الميزان الذي يضبط المجتمع وعاملا للاستقرار السياسي والاجتماعيّ وأيّ خلل أو تآكل لها معضلة تلقي ظلالها على المجتمع برمته. 
إنّ واحدا من أهم العوامل في تقلص واتساع هذه الطبقة تفشي الأنانية المقيتة بين الأفراد. فالسائد هو أنّ هناك صراعات بين الأفراد من اجل تحقيق نزعات فردية، ولا تهم السبل التي يسلكها هؤلاء طالما أنها ترمي الى انجاز تطلعاتهم. الأدهى كما نتصوره أن يصبح لكل فرد سلّم من القيم يختلف عن الآخرين، ويصبح الحال مطابقا الى حد كبير لمجتمع الصراصير. إنّ ظاهرة النزعة الفردية تعني أيضا اعتقاد الفرد بأنه لم يعد بحاجة الى الآخرين. فلا يشعر أنه مضطر للإصغاء الى رأي غيره، والتصادم الفردي هو نتيجة هذه الظاهرة الاجتماعية التي ترافق اعمالنا العمومية التي تحتاج الى تعاون الجميع في عمل مشترك، ولعل أسوأ ما تقود اليه الأنانية حالة عدم الشعور بالمسؤولية. 
يرجع باحثون ومهتمون في البحرين الى أنّ الطبقة الوسطى لدينا تمثل 60 % من السكان قبل عقد من الزمن تقريبا، والفترة الذهبية للطبقة الوسطى كانت سبعينات القرن الماضي. ويؤكد هؤلاء أنّها تشهد انحسارا وتآكلا. ولا أعتقد أنّ هناك من يجادل في أنّ افرادها يفقدون مميزاتها وبالتالي يتحولون الى الطبقة الدنيا، وهذا بالطبع يشكل خللا فادحا. كما يشير البعض الى أنّ تضاؤل هذه الطبقة مرجعه التضخم واحتكار الثروة من قبل من هم أوفر حظاً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .