يطل العيد متثاقل القدمين كأنه لا يريدنا أن نشاركه بهجته. أصبح يزورنا كالغريب والضيف الثقيل، وترحيبنا به واجب لا مناص من تأديته. ولابدّ ان نتساءل هنا من الذّي تغيّر نحن أم العيد؟ الحقيقة أنّ الفرح أصبح ظاهرة عابرة وخير دليل أننا بعد ساعات الفرح نردد اللهم اجعله خيراً كأنّنا نستكثر علينا حالة الفرح أو كأنّ الفرح ليس إلاّ حالة مؤقتة! لا يأتي العيد إلاّ ويستعيد كل فرد منّا بيت أبوالطيب المتنبيّ (عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ) وكأنّ كل ما خلفه العرب من تراث شعري خلا إلاّ من هذا الشطر ليطبع حياتنا بالكآبة. لماذا هذا الإصرار على استحضار المتنبيّ ذلك في مناسبة هي للبهجة؟ يبدو أنّ البعض دأب على بث الكآبة في النفوس وبالأخص في ايام الأعياد! وتفريغ حياتنا من كل ما هو جميل وبهيج.
يأتي العيد وكل منا يحمل أمنيات بأن تتوقف أنهار الدم المسفوكة في أوطاننا العربية. إن أقصى ما نطمح اليه ان نشهد نهاية موجات الكراهية المنفلتة والأحقاد والصراعات والمرارات، وبالمقابل تسود قيم المحبة والتراحم والتسامح، العيد فرصة لطي الخلافات ونبذ الخصومات بين الأخ وأخيه وبين الأبناء والأصدقاء والجيران.
الذي يستعصي على الأفهام اننا نردد ببلاهة منقطعة النظير بيتا لشاعر يجسد حالة الانفصام بامتياز. أراد المتنبي إيهامنا انه يجسد حالة المعارضة لا تعاطفا مع آلام البسطاء كما يذهب الخيال ولا رغبة في تحسين أوضاعهم ولا لتفرده بالسلطة، لكن طمعا في ولاية أرادها بين حمص وحلب، فلما استعصت عليه من سيف الدولة الحمدانيّ الذي نحت له أجمل قصائد المديح نراه يقنع بقرية في الصعيد، وهذه المرة من كافور الاخشيدي الذي سكب له هو الآخر غرر القصائد علّه يظفر بالمكافأة. الأغرب أنّ البعض من الكتّاب اليوم يستحضرون بيت المتنبيّ دون وعي ما يمثله الشاعر من استجداء بلغ حدّ المهانة. إنه يمثل شخصية المثقف الانتهازي بكل حذافيرها فلماذا ننساق وراءه دون بصيرة؟
لابد من أن نتقاسم لحظات الفرح مع الآخرين حتى الذين بقيت أمانيهم وأحلامهم تنتظر التحقق كالمرضى ومن فقدوا الأحبة، إنهم ينتظرون من يخفف عليهم وطأة الألم والحزن.
يبقى أن نقول مرحبا بك أيها العيد وسنكون في انتظارك، سنمد أيدينا إليك مبتسمين كما يليق بزائر طال انتظارنا إليه رغم قسوة الحاضر وما يطفح به من رتابة ورغم ما يكرره البعض من أن لا جديد ولا إبداع بل ولا حتى ما يلبي رغباتهم ويضفي عليها فرحا.