العدد 2855
الإثنين 08 أغسطس 2016
banner
مغزى تصريحات “جون برينان” المتكررة حول تقسيم سوريا
الإثنين 08 أغسطس 2016

خلال مشاركته في منتدى “أسبين الأمني” السنوي، الشهر المنصرم، صرح “جون برينان” مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) بأنه غير متفائل بشأن مستقبل سوريا، ولا يعرف اذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سوريا موحدة مرة أخرى. هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها “برينان” عن تقسيم سوريا، فقد سبق ان صرح بمثل هذا القول خلال مؤتمر حول الاستخبارات نظمته جامعة “جورج واشنطن” في العاصمة الفيدرالية الأميركية يوم الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015م، حيث قال: “عندما انظر الى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن يصعب علي أن اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية”.
وفي المؤتمر نفسه (أي المنعقد في واشنطن)، ادلى مدير الاستخبارات الفرنسية “برنار باجوليه” بتصريح حول الشرق الأوسط، قال فيه: “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى الى غير رجعة، نحن نرى سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد، اي ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”.
عندما يكرر “برينان” القول إنه لا يرى إمكانية أن تعود سوريا دولة موحدة كما كانت، وهو في اعلى موقع استخباراتي في العالم يمكنه من الحصول على معلومات ومعطيات تجعله يصل الى مثل هذه القناعة بإمكانية تقسيم سوريا، بل وربما بلدان عربية أخرى. كل المؤشرات على الأرض حاليا تشير الى امكانية حدوث مثل هذا التقسيم، ولا يوجد سوى حلين لتفادي هذا القدر المحتوم. الأول هو الحسم العسكري لصالح احد الأطراف، ولكن لا يبدو في الأفق بعد خمس سنوات من الصراع العسكري أن بإمكان احد الأطراف تحقيق ذلك لصالحه. أما الحل الآخر فهو عملية انتقال سياسي سلمي، وهذا الحل، لا يبدو في الأفق ما يشير الى إمكانية تحقيقه بسبب ما يسمى “عقدة بشار الأسد”. النظام الحاكم وحلفاؤه الروس والإيرانيون مصرون على بقاء “بشار” وأنه جزء من الحل، بينما المعارضة وحلفاؤها من الدول الاقليمية مصرون على إزاحته ويعتبرونه جزءا من المشكلة. أما الموقف الأميركي وبعض الدول الغربية فموقفها من “بشار” متذبذب وغير واضح بشكل صريح.
في ظل هذه الظروف الحالية لا يبقى سوى عملية التقسيم، وكل ما يحدث على الأرض حاليا ما هو إلا إنضاج لهذه العملية التي تصب في مصلحة اسرائيل أولا وأخيرا، وتهيئ لتحقيق الشرق الأوسط الكبير، المصطلح الذي اطلقته إدراة الرئيس الأميركي “جورج بوش – الابن” في عام 2004م على منطقة واسعة تضم كل البلدان العربية، إضافة الى تركيا، اسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان، والفوضى الخلاقة التي روجت لها “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية الأميركية السابقة.
ليست سوريا الدولة الوحيدة التي تواجه احتمال التقسيم بسبب الحرب الأهلية التي تدور رحاها منذ خمس سنوات، بل هناك دول عربية اخرى كالعراق وليبيا واليمن معرضة لمواجهة نفس المصير. وحتى لو لم يتم تقسيم هذه الدول جغرافيا، فإنها واقعيا منقسمة ديموغرافيا على أسس دينية ومذهبية وقومية، اي انها شعوب متنافرة وكارهة لبعضها البعض، ولن تتوانى عن تدمير اوطانها. لذا، اعتقد ان هذه الدول، وقد تنضم اليها دول عربية اخرى في المستقبل غير البعيد، سوف تعاني الأمرين، إما التقسيم الجغرافي او الحروب الأهلية لسنوات طويلة او الاثنان معا كما حدث في السودان. ثورات أو انتفاضات الربيع العربي (سمها ما شئت) كشفت عن مكنونات النفوس، ووسائل التواصل الاجتماعي عرت العقول والقلوب وما يختمر بداخلها من حقد وكره وضغينة.
الحل الأمثل لاستقرار الدول العربية اعتماد مبدأ الدولة الديمقراطية المدنية القائمة على أساس فصل الدين عن الدولة، وعدم السماح بتشكيل أحزاب سياسية على أسس دينية. يقول الشاعر: إن القلوب إذا تنافر ودها... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر. هذا هو حال اكثر الشعوب العربية في الوقت الحاضر. “إيلاف”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية