العدد 2730
الثلاثاء 05 أبريل 2016
دور الأسرة في التنشئة السياسية
الثلاثاء 05 أبريل 2016

يُقصد بالتنشئة السياسية مجموعة المواقف السلوكية الإيجابية من سياسية واجتماعية والأعراف التي توجه الأفراد وخصوصا النشء لإكسابهم الثقافة السياسية، وتتكفل بهذه المهمة مجموعة من العوامل وبدرجات متفاوتة، وفي مقدمة هذه العوامل الأسرة والمدرسة والإعلام والأصدقاء والعقيدة الدينية ووجود الحكومة الرشيدة الراعية لشعبها. النشء حين نضجه يحتاج إلى من يهديه إلى الطريق الوطني المستقيم، ويبعده عن طريق الضالين، وحتى يهتدي إلى الطريق المستقيم يحتاج إلى أن تتشكل لديه المعتقدات السياسية الوطنية الإيجابية التي تنتقل إليه من الأسرة أولاً وتاليًا من المؤسسات الأخرى المؤثرة التي تلعب دورًا في تطور الموقف الوطني والسلوكيات السياسية لهذا النشء.
وفي هذا المقال سنتحدث اليوم عن دور الأسرة وأثرها على التنشئة السياسية للأبناء. وعندما نقول إن الأسرة أول عامل من عوامل تأسيس التنشئة السياسية للنشء بل وقد يكون أهمها فإننا نعني أن الأسرة عامل أساسي ومؤثر في طريقة توجه النشء السياسي، وذلك بفضل العلاقة المتينة والدائمة التي تجمع بين الابن أو الابنة ووالديه ومع كل أفراد أسرته. فالأسرة تعتبر من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، لكونها المدرسة الأولى للأبناء، وبداخلها يبدأ الأبناء في اكتساب مختلف الاتجاهات الإيجابية والمعتقدات الرشيدة والسلوكيات الحميدة السائدة في المجتمع، كما أن الأسرة البيئة الأولى الحاضنة التي يبدأ فيها الأبناء تكوين ذاتهم نتيجة التفاعل الإيجابي بينهم وبين أسرهم ومن خلال التنقل الإيجابي والحميد للأفكار والمواقف الوطنية والمعلومات والقيم الإيجابية وأنماط السلوك الحميد من الآباء إلى الأبناء، مما ينتج عنه الجيل الرشيد الواعي لدوره ومسؤولياته الوطنية تجاه بلاده وشعبه.
إن الأسرة (بتنوعها الاقتصادي والاجتماعي) في أي مجتمع هي المؤسسة الأبرز في المجتمع لتنشئة أبنائها سياسيًا واجتماعيًا، والتربة التي تنمو فيها شخصية الأبناء الصالحة، والاتجاه الوطني للأسرة له قوة التأثير على تنشئة الأبناء، فالتحلي بالمواطنة الصحيحة والانتماء الصادق لتراب البلاد يعمل على تأسيس الذات الوطنية للأبناء ورسم شخصيتهم المستقبلية تجاه بلادهم وشعبهم. وعلى الأسرة أن تقدم شيئًا من دروس المواطنة والانتماء إلى أبنائهم، ومنها، أن يتعرف الأبناء على قيادتهم السياسية وشرح توجيهاتهم السياسية، فالأسرة تنقل اعتزازها بقيادتها والتزامها بتوجيهاتها إلى الأبناء، وتعريفهم بتاريخ وحضارة بلادهم، وبزيارة المواقع التاريخية والحضارية معهم، وقراءة تاريخ بلادهم لأبنائهم قراءة جيدة، والتعرف على شخصياتها الوطنية، ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الأسرة الواعية والمدركة والمثقفة والوطنية جزء لا يتجزأ من الوطن، ولا يمكن الاستغناء عن دورها التثقيفي والوطني تجاه الأبناء، ونشر الثقافة السياسية بينهم، وبالتالي تشكيل اتجاههم الوطني والقومي الذي ينعمون به مدى الحياة. كون الأسرة الوسيط الفاعل والمؤثر بين شخصية النشء والبلاد التي ينتمون إليها، فشخصية الفرد تتكون من خلال الأسرة. خصوصا إذا كانت الأسرة على قدر من التعليم والثقافة ونمط حياة متحضر، كما أن طبيعة العلاقة الأسرية في الحوار وفي اتخاذ القرار داخل الأسرة له دور كبير في عملية التنشئة السياسية للأبناء. فهذه من العوامل التي تنعكس على شخصية النشء المستقبلية وفي توجهاته السياسية، وفي قدرته على احترام إرادته وإرادة الآخرين، وفي التعبير عن ذاته وفي احترام آراء الآخرين وفي قدرته على اتخاذ القرار.
ليس من الصعب على الأسرة أن تنقل قيم الانتماء والمواطنة إلى أبنائها، فمن خلال إيمانها بقيم الانتماء والمواطنة تستطيع الأسرة أن تغرس في أبنائها قيم الطاعة والولاء والثقة والتضحية والعمل الصالح والفداء، فالأسرة ليست مجرد بشر يعيشون في بيت يتقاسمون فيه مكوناته بقدر ما هي نظام القيم الذي يتحمل مسؤولية نقله إلى الأبناء الآباء الذين توارثوها عن الأجداد، وهذه المجموعة من القيم يختزنها الأبناء في ذاكرتهم لمرحلة لاحقة. إن الأسرة الرشيدة هي من أبرز مؤسسات التنشئة السياسية للنشء الذي سيتحمل مسؤولية وقيادة بلاده مستقبلاً. وبالرغم من الاختلاف بين جيل الآباء والأبناء فإن العلاقة الديمقراطية داخل الأسرة تساهم في تنشئة الأبناء على حُب المشاركة وإبداء الرأي، وتكوين ذات سياسية قائمة على حُب البلاد وقيادتها وشعبها، والتغني بمكتسباتها وإنجازاتها، ورافض التطرف والتعصب، وتكوين علاقة ذات اتساق في وجهات النظر بين الآباء والأبناء وكل أفراد الأسرة بصورة ديمقراطية تشاركية. وبفضل مشروع الإصلاح الوطني لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد، فإن العلاقة الأسرية للبيوت البحرينية ينتشر بينها الوعي السياسي والثقافي والتعليمي الذي ساهم بفاعلية في التنشئة السياسية للنشء البحريني.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية