انتشار حالات مشابهة للتوحد بعد جائحة كورونا
رئيسة المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة د. زهراء الزيرة
في هذا الصدد، قالت رئيسة المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة د. زهراء الزيرة «إن الأعداد المراجعة للمراكز والمشخصين بأن لديهم توحدا في ازدياد مستمر، وقد يعود ذلك لزيادة وعي الناس للأعراض وتحويل الأطفال، وقد يكون بسبب ازدياد التلوث البيئي والغذائي الذي يسبب ارتفاع نسبة الزئبق في الدم ويؤدي إلى بعض الأعراض، وهذا موضوع جدلي وهناك الكثير من الدراسات بهذا الشأن».
وأضافت «بعد جائحة كورونا، أي منذ بداية العام 2020 وحتى الآن هناك ازدياد في الحالات التي لديها أعراض مشابهة للتوحد وتعرف أدبيًا بـ Autistic Like Symptoms بسبب استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية لساعات طويلة متواصلة بحجة التعلم عن بعد وانشغال الوالدين أيضا بالعمل عن بعد وبقاء الجميع في البيت وعدم وجود وسائل ترفيهية أخرى. فأصبح الأطفال من عمر 3-6 سنوات محرومين من الذهاب للروضة للتعلم الحقيقي، مع عدم قدرة الأطفال في تلك الأعمار على التركيز والتعلم عن بعد، إضافة لحرمانهم من البيئة الاجتماعية الثرية التي تعلم الطفل التفاعل والتواصل اللغوي والاجتماعي».
ما أبرز الأعراض لاضطراب طيف التوحد؟
يعرف التوحد بأنه اضطراب نمائي عصبي يتمثل بالدرجة الأولى في عدم قدرة الفرد على التواصل اللفظي وغير اللفظي وضعف في التفاعل الاجتماعي وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والعواطف المتعارف عليها بين أفراد المجتمع. وتظهر الأعراض بعد عمر السنتين. كذلك تكون تلك الأعراض متزامنة بمجموعة أخرى من الأعراض الثانوية كالحركة النمطية، عدم الشعور بالألم، فرط النشاط، التحسس الشديد من الأصوات أو الأضواء أو أي مثيرات حسية أخرى. وغالبًا ما يكون متزامنًا أيضًا بانخفاض القدرات العقلية، إلا في حالات الأسبرجر التي تعتبر طيفا من أطياف التوحد.
أهمية الكشف والتدخل المبكر؟
التوحد كأي اضطراب آخر، إذ يجب أن يعرض الطفل على المختصين للتقييم والتشخيص والعلاج بمجرد الشك بوجود أعراض وعدم التلكؤ، فالسنوات الأولى من عمر الطفل مهمة جدًا للتدخل المبكر الذي يساعده في اكتساب اللغة وتدريبه على التواصل والتفاعل الاجتماعي واللغوي والبصري وبقية المهارات الأخرى التي يفتقدها.
هل نشهد حاليًا زيادة في أعداد المصابين؟
لا شك أن الأعداد المراجعة للمراكز والمشخصين بأن لديهم توحدا في ازدياد مستمر، وقد يعود ذلك لزيادة وعي الناس بالأعراض وتحويل الأطفال، وقد يكون بسبب ازدياد التلوث البيئي والغذائي الذي يسبب ارتفاع نسبة الزئبق في الدم ويؤدي إلى بعض الأعراض، وهذا موضوع جدلي وهناك الكثير من الدراسات بهذا الشأن.
ومن الجدير بالذكر أن بعد جائحة كورونا، أي منذ بداية العام 2020 وحتى الآن، هناك ازدياد في الحالات التي لديها أعراض مشابهة للتوحد وتعرف أدبيًا بـ Autistic Like Symptoms بسبب استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية لساعات طويلة متواصلة بحجة التعلم عن بعد وانشغال الوالدين أيضًا بالعمل عن بعد، وبقاء الجميع في البيت وعدم وجود وسائل ترفيهية أخرى. فأصبح الأطفال من عمر 3-6 سنوات محرومين من الذهاب للروضة للتعلم الحقيقي، مع عدم قدرة الأطفال في تلك الأعمار على التركيز والتعلم عن بعد، إضافة لحرمانهم من البيئة الاجتماعية الثرية التي تعلم الطفل التفاعل والتواصل اللغوي والاجتماعي، وأصبح لدى مجموعة من هؤلاء الأطفال أعراض مشابهة لأعراض التوحد، فتم تحويلهم على المؤسسة من قبل أهاليهم، ما اضطرني لأن أسجل فيديو وأنشره لأشرح للأمهات الشابات، خصوصًا اللواتي لا تجربة لديهن، بأن يتريثوا قبل تحويل الأطفال إلى المراكز ويتم تشخيصهم بالتوحد، وأن يوقفوا استخدام الأجهزة الإلكترونية وبرامجها، وأن يتم توفير مجموعة من الألعاب للأطفال كألعاب التركيب والتلوين والصلصال والقصص وغيرها لإشغال وقت الطفل بشيء ممتع، وقضاء الوقت الكافي معه واللعب معه والتحدث معه باللغة الأم (العربية)؛ لأن جائحة كورونا خلقت لنا جيلًا من الأطفال العرب لا يتحدثون اللغة العربية، وذلك أيضًا بسبب سوء استخدام الأجهزة وعدم مراقبة الأهل للبرامج التي يشاهدها الطفل وانجذابه للبرامج باللغة الإنجليزية، وبالتالي تعلم اللغة الإنجليزية من خلال تلك البرامج. وكذلك بسبب انقطاع التواصل بين أفراد العائلة بشكل عام وانشغال كل فرد على جهازه بحجة التعلم أو العمل أو اللعب. وحصل ذلك الفيديو على أكثر من 3500 مشاهدة بشكل غير مسبوق على صفحة انستغرام المؤسسة، وهو موجود على صفحتنا بتاريخ 28 أكتوبر 2021.
وقد نصحت الأمهات باتباع الصيام الإلكتروني وقطع الإنترنت لمدة 21 يوما، وتوفير الألعاب الحيوية والمكعبات والمتاهات والقصص، وأخذ الأطفال للحدائق والألعاب الخارجية والمشي على البحر واللعب بالرمال، فهي تسحب الطاقة السلبية والشحنات الكهربائية التي تشبع بها جسم الطفل وتزوده بطاقة إيجابية جميلة تجعله سعيدًا ويرجع إلى البيت سعيدًا هادئًا وينام وابتسامة الرضا على وجهه، بدلًا من أن يفزع من النوم بسبب الكوابيس التي يراها وتشبع بها عقله الباطن من الأفلام والألعاب المخيفة والقبيحة التي يراها طوال اليوم على الأجهزة اللوحية والإلكترونية بأنواعها. قد يظن القارئ أننا انحرفنا عن موضوع التوحد ولكن هذا في صلب الموضوع، والدليل رسائل الشكر الكثيرة التي وصلتني من الأمهات وكيف أن طريقة الصيام الإلكتروني كانت جديدة ومفيدة لهن؛ لأنه بالفعل تم تشخيص أطفالهن بالتوحد.
ما الخدمات المقدمة لأطفال التوحد في المؤسسة؟
المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة تعطي أهمية كبرى لعملية التقييم والتشخيص لجميع الأطفال المراجعين للمؤسسة؛ لأن البرنامج العلاجي والخطة الفردية (IEP) تصمم وتبنى على نتائج التقييم، وإذا لم يكن التقييم صحيحا يكون البرنامج العلاجي فاشلا؛ لأن التشخيص كان خاطئا. إذًا الخدمة الأولى والأساسية التي تقدم لأطفال التوحد هي التشخيص المهني من قبل فريق عمل مكون من اختصاصي نفسي لتعديل السلوك والتواصل، واختصاصي تربية خاصة، واختصاصي نطق ولغة. وكان لدينا في المؤسسة عدد من الحالات التي تم تشخيصها في مراكز أخرى بأن لديهم توحدا، ولكن بعد التقييم الدقيق والعلاج السلوكي والنطقي والمهارات تراجعت الأعراض الظاهرية وتخلص الأطفال من الأعراض المشابهة لأعراض التوحد. فالتقييم هو الأساس الذي يجب أن يتم بدقة وعناية باستخدام أدوات التشخيص والمقاييس الصحيحة والمعتمدة. ثم بعد ذلك يتم وضع الخطة الفردية لعلاج جميع الأعراض خصوصًا عدم قدرة الطفل على التواصل اللفظي وغير اللفظي لتمكينه من التواصل والتفاعل الاجتماعي، ثم إكسابه المهارات التي يفتقدها وكذلك الكفايات الأساسية لمهارة اللغة العربية والرياضيات إن كان لا يعاني من انخفاض في القدرة الذهنية.
ولي رجاء وخاص للمعلمات الفاضلات في رياض الأطفال بعدم الحكم جزافًا ومن غير تقييم على الأطفال المختلفين بأن لديهم توحدا؛ لأنه بحسب قولهن "تصرفاته غريبة، تواصله البصري ضعيف أو معدوم، لا يتكلم، لا يندمج مع الأطفال، كثير الحركة..."، كل تلك الأمور قد تكون أعراضا لاضطراب آخر، والتقييم لا يكون بالنظر. هناك أدوات قياس وتقييم يتم استخدامها من قبل المتخصصين للحكم على الطفل إن كان لديه توحد أو لا. وأطفال التوحد كبقية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى فريق عمل مكون من اختصاصي تربية خاصة، اختصاصي نطق، واختصاصي تعديل سلوك وربما اختصاصي علاج وظيفي ليقيم الطفل ويضعه تحت الملاحظة قبل الحكم عليه بأن لديه توحدا أو لا.
ما تأثير التوحد على الأهل والطفل؟
لا يمكن إطلاق أحكام عامة، فكل طفل لديه توحد يصبح حالة خاصة وفريدة؛ لأن كل طفل يمتلك مجموعة من الأعراض تختلف من الحدة والنوع. فلا يمكن التحدث عن الحالات الخاصة بعمومية، فكل طفل حالة خاصة ويجب التعامل معها بخصوصياتها. ولكن من المهم أن يكون الوالدان خصوصًا الأم ضمن البرنامج العلاجي؛ لأنها هي من سيطبق التعليمات والإجراءات طوال اليوم مع الطفل، وإذا تم تشخيص الطفل بالتوحد بدرجة عالية فهذا يضع جميع أفراد العائلة تحت ضغط كبير، ويجب تعديل البيئة التي يعيش فيها الطفل؛ لتقليل حدة الأعراض، وبالتالي التقليل من الضغط على أفراد الأسرة. وهناك أمهات يتدربن على برنامج تحليل السلوك التطبيقي «Applied Behavior Analysis»؛ ليتمكنّ من تدريب أطفالهن بأنفسهن.
ما أبرز الصعوبات التي تواجهونها في التعامل مع المصابين بالتوحد ومع الأهل؟
جميع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى الصبر والمعرفة (know how) كما يسمى، فعندما تتقبل الأم مشكلة ابنها وتصل إلى مرحلة الرضا بما كتبه لها رب العالمين تكون قد ساعدت نفسها وابنها ومشت خطوات كثيرة، فتبدأ بنفسها في البحث والسؤال والتقصي والتعرف على قصص النجاح، وكما يقول المثل "من يسأل ما يضيع"، وتتعلم من المختصين، وهناك الكثير من الأمهات في البلاد الغربية أصبحن متخصصات في التوحد بعد معرفة أن ابنهن لديه توحد. إذًا مرحلة الإنكار وعدم الرضا هي أكبر عائق يعوق تطور الطفل ويقلل من نوعية الخدمات التي يحصل عليها. كذلك تصاب الأم بحالة من الإحباط نتيجة للتطور البطيء لدى طفل التوحد وكأنها كل يوم تبدأ من جديد، خصوصًا إذا تزامن مع أعراض التوحد انخفاض في القدرات العقلية، وحسب الإحصاءات 75 % من حالات التوحد يكون لديهم انخفاض في القدرات أيضًا. جدير بالذكر هنا أن المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة احتفلت منذ أيام بمرور 20 عامًا على تأسيسها وتقديمها للخدمات النوعية في التقييم والتشخيص والبرامج العلاجية الفردية على يد متخصصين في التربية الخاصة وصعوبات التعلم وتعديل السلوك والنطق واللغة. وأكثر من 80 % من مراجعي المؤسسة هم طلاب لديهم صعوبات تعلم دسلكسيا أو لديهم اضطراب نقص انتباه وفرط نشاط(ADHD) و20 % المتبقية هي للأطفال الذين لديهم توحد أو متلازمة داون أو تأخر نمائي.