السرطان ليس مرادفًا للموت
إعداد: حسن فضل
يواصل «صحتنا» توثيق قصص المتعافين من السرطان كبادرة لبث روح الأمل وإنعاش النفوس المتعبة من وحشية هذا المرض. مرض السرطان يمكن الشفاء منه، وهذا ما أثبتته قصص المتعافين التي نشرناها، وهو ليس رديفا للموت، ودائمًا هو مرض يمكن هزيمته.
قصتنا في هذا العدد تتزامن مع اليوم العالمي للأمراض النادرة الذي يصادف ٢٨ فبراير. لذلك اخترنا تجربة تعاف من نوع نادر من السرطان وهو ورم الغادية المشيمي والأرومة الغاذية الحملية، وهي مرض ورمي نادر يتجاوب بشكل جيد جدًا مع العلاج، وتتطور الخلايا السرطانية في الأنسجة التي تشكلت بعد عملية الإخصاب والتطور الطبيعي أو غير الطبيعي للجنين.
زينب علي (أم سمات) إحدى المتعافيات من هذا النوع من السرطان. فصول قصتها بدأت مع فقدها جنينها لتعيش ألم الفقد، ولم تتعافَ من حزن فقد جنينها حتى صدمها خبر إصابتها بنوع نادر من السرطان. واجهت وحشية هذا المرض وتحدت كل جبروته حتى تمكنت من ترويضه والوصول لمرحلة التعافي. في رحلة لم تكن نزهة عابرة فرضتها ظروف العلاج، التي عزلتها عن بناتها، وكانت أقسى ما عاشته بفترة المرض، كان لديها من القوة أن تتحمل وحشية المرض وجيش الألم الذي يجتاحها دون رحمة ومن دون أن ينفد مخزون صبرها، ولكنها تنهار حين تبتعد عن بناتها فلا تستطيع التخلي عن أمومتها أو تجمد حنينها وشوقها لهن. فكل آلام السرطان لا تساوي لحظة من بعدها عن بناتها.
المرض بداية لصنع أيام وحياة جديدة
زينب، خريجة بكالوريوس فنون تربوية. تعشق الحياة، وتتقن كل أبجدياتها، تمارس هواياتها في الرسم والأعمال اليدوية، وكتابة الخواطر والشعر. وطموحها أن تتخلص من السرطان نهائيًا، وتخدم المجتمع من خلال وظيفة تناسب مؤهلاتها.
متى أصبت بالمرض وكيف تم تشخيصه وما نوعه؟
أصبت بالمرض في شهر مايو 2018. كنت حاملا في الشهور الأخيرة وفجأة توفي الجنين وتوقف نبضه. أجريت لي عملية قيصرية بعدها دخلت في مضاعفات شديدة ونزيف شديد وشعرت بضيق تنفس شديد وأدخلت العناية المركزة، وبعد عمليات نقل الدم اكتشفوا أن السبب في ما يحدث هو ورم الغادية المشيمي المسمى بكاريوكارسينوما وهو ورم نادر يأتي في المشيمة وينتقل منها إلى ثم إلى المخ.
كنت أرقد في مستشفى الملك حمد، حيث قام الفريق الطبي هناك مع البروفيسور د. حسني ملص باكتشاف السرطان لأول مرة وبعدها تم تحويل أوراقي إلى قسم الأورام في مستشفى الملك حمد.
كيف تلقيتِ خبر الإصابة وماذا تبادر إلى ذهنك في البداية؟
في البداية كانت الأعراض غريبة، حيث كنت أشعر أن هناك شيئا غريبا لا أعلم ما هو.. كان الخبر صدمة، وأخبروني بالتشخيص وكنت لوحدي، جاء الفريق الطبي وأخبرني: «زينب أنت قوية وصبرتين على موت طفلتك واليوم لدينا خبر جيد وخبر غير جيد، الخبر غير الجيد للأسف أنت مصابة بالسرطان وانتشر وعليك الخضوع للعلاج الكيماوي، والخبر الجيد أن نسبة الشفاء منه 90 بالمئة». وكنت خائفة جدًا ومصدومة آنذاك.
كيف استقبل الأهل خبر الإصابة؟
كانت صدمة للجميع، فما إن علموا، وكان يصادف شهر رمضان، حتى رأيت جميع الأهل والأحباب يحيطون بي والجميع يواسيني.
ماذا كانت خيارات العلاج ونسبة الشفاء؟
كان الخيار الأول العلاج الكيميائي بشكل مكثف وجرعات مكثفة؛ لأن طبيعة هذا الورم ينتشر بشكل سريع وبعدها خيارات العملية.
كيف كانت ظروف العلاج؟
كانت ظروف العلاج في مستشفى الملك حمد وفي قسم الأورام بغاية الاهتمام والعناية ولهم فضل ودور كبير. صحيح أن العلاج الكيماوي صعب، لكن كان أثر الرعاية واضحا وكذلك مستشفى فلورنس في تركيا.
انقسمت مرحلة علاجي إلى قسمين، علاجي في البحرين وكان بمستشفى الملك حمد قسم الأورام تلقيت معظم جرعات الكيماوي هناك، وعملت أكثر من عملية في مستشفى الملك حمد وما زلت أتابع ملفي وحالتي الصحية معهم. فبسبب الجرعات المكثفة للكيماوي حصلت الكثير من المضاعفات منها استئصال المرارة، تضخم الغدة الدرقية، وهناك بعض النتوءات في رئتي من بقايا الورم أو ما يسمى بتليف الرئة.
بعد أن تطورت حالتي ووصل شيء من المرض إلى المخ وكان الأطباء متحيرين في أمري هل هو ورم أو تجلط في المخ، سافرت إلى تركيا وهناك تقررت لي عمليتان في المخ، الأولى تشخيصية والثانية جراحية وعلاجية بالإضافة إلى مزيد من جرعات الكيماوي المكثفة.
كيف أثر السرطان على حياتكِ الأسرية والاجتماعية؟
تأثرت حياتي كثيرا، فأنا أم لطفلتين، واحدة بعمر 5 سنوات والثانية بعمر السنتين، وقد ساندتني أمي وأبي بتحملهما مشقة العناية بهما. وكنت أخرج من المستشفى وأوقع أوراق خروجي على مسؤوليتي لكي أعتني بهما. كنت أسكن الطابق الثالث وكان أمرا شاقا بالنسبة لي ومتعبا، فتغيرت حياتي من استقرار إلى أيام طويلة وأسابيع في غرفة المستشفى واجهت فيها أياما صعبة لا يعلم بقسوتها إلا الله، وكأي أم كنت أشتاق أن أنام وابنتي في أحضاني. كانت صدمة بناتي بفقدان شعري وتغير شكلي قد تركت أثرا كبيرا في نفسي وفيهما وكانتا تتساءلان دائمًا: ماذا حصل؟!
ماذا أخذ منكِ السرطان وماذا أضاف لكِ؟
أخذ من الكثير... طفلتي التي توفيت.. وجسدي الذي لم يعد كما كان وظهرت لدي مشكلات صحية عديدة بعد العلاج الكيماوي، ولكن السرطان أعطاني القوة وأهداني بشرا تعرفت عليهم بهيئة الملائكة.. أضاف لي أن تكون علاقتي بالله أكثر قربًا.
هل تشعرين بخوف وقلق من عودته مجددًا؟
نعم وكثيرًا ما أخاف ذلك، لكن لطف الله الذي نجاني ورحمني سيحيطني ويحميني وكلي أمل بالله.
كيف تخطيتِ مرحلة الإصابة وما العوامل التي أسهمت في تجاوز هذه المحنة؟
كنت أحاول أن أشغل عقلي عن المرض بأي طريقة وعن الألم، فكنت أرسم، وأقرأ وأحاول أن أبحث عن المتعافين من هذا المرض وأستمد القوة منهم.
والدي (رحمه الله) كان يشجعني. ويكرر عبارة «أهم شيء النفسية»، وكان يمدني بالقوة، فقد كان عمودي الفقري، إضافة لوالدتي ودعائها، ودعاء ومساندة أهلي وأحبائي كان له دور كبير. وضعت نصب عيني بناتي أن أقاوم لأجلهما وأتحمل الألم.
كما أن مستشفى الملك حمد وقسم الأورام كان لهم دور كبير، وأخص بالشكر طاقم الممرضات والممرضين والأطباء الذين بذلوا الكثير.
هل شعرت بلحظات ضعف في مسيرتكِ وكيف تغلبتِ على هذا الشعور وتمكنت من تجاوزه؟
نعم شعرت بذلك عندما أصبت في المخ، كان خوفي شديدا، وسافرت إلى العلاج في الخارج. وعندما دخلت إلى غرفة العمليات هنا كان خوفي شديدا، وضعفت كثيرًا عندما توفي والدي (رحمه الله) وأنا في آخر مراحل علاجي.
هل كان السرطان عائقًا؟
لا، فلم يوقفني السرطان عن عشق الرسم والأعمال اليدوية، والقراءة، وكتابة الخواطر والقليل من الشعر، وعشقي للطبخ.
كانت حياتي قبل المرض بين أطفالي وبين هواياتي. لم أكن أختلف عن أي شخص طبيعي في المجتمع، وطموحي أن أتخلص من هذا المرض نهائيًا، وأعمل بشهادتي شهادة الفنون وأن أثبت أن السرطان ليس عائقا.
كيف هي حياتك بعد التشافي؟
الحمد لله أقوم بأعمالي وأعمال أسرتي كلها بنفسي، صحيح أنني كنت أشعر بالتعب السريع وجسدي لم يعد كما السابق، لكنني أستمد القوة من الله تعالى، فأنا حتى في فترة أخذ العلاج الكيماوي، كنت أحاول أن أقوم بأبسط الأعمال، فأنا لا أحب الركون والخضوع إلى المرض.
ما رسالتكِ لمرضى السرطان؟
اجعلوا السرطان مصدر قوة لا ضعفا، اجعلوه يبث فيكم روح الأمل واجعلوه بداية إلى حياة جديدة.
ما رسالتك للمجتمع؟
رسالتي للمجتمع.. لا تتغافلوا عن أبسط الأعراض التي تشعرون بها أو أي إشارة تطلقها أجسامكم، اذهبوا للفحص المبكر، فهو وقاية وعلاج سريع من كل مرض، والسرطان ليس معناه الموت، بل معناه المحاربة وصنع الأيام من جديد فربما يكون هو البداية إلى حياة أفضل.