بقلم رهف علي عباس
قصة إلى متى
تلك الفتاة التي لم تتجاوز السابعة من عمرها، والتي تركت بلدها وأصدقاءها وقلبها يعتصر من الحزن، لقد اغتربت بسبب الحرب وما خلفته من خراب ودمار، فقد عاشت سنة الحرب الأولى وهي حزينة تسمع أصوات الصواريخ والخوف يتسلل إلى جسمها ويملأ قلبها.
لقد عاشت سنة مريرة، سنة لا تنسى، لقد تركت بلدها وذهبت إلى بلد آخر تمنت أن تعيش فيه أياما جميلة؛ تُنسيها أيامها الحزينة، أيام الحرب المشؤومة.
وتذهب لمدرسة وتحقق أحلامها وتحظى بصداقات جديدة، ولكن حصل خلاف ذلك للأسف.
ففي أول يوم دراسي لها ذهبت وقلبها يخفق فرحًا، وعيناها تشع سعادةً وشوقًا لرؤية مدرستها الجديدة، وفي طريقها كانت الشمس مشرقة مضيئة كأنها تبتسم لها، وزادتها إشراقة الشمس تفاؤلًا وأملًا بأيام مليئة بالفرح والسرور تغنيها عن أيام الحزن منذ تركت وطنها، وعند وصولها وجدت نفسها أمام صرح ذي هيبة يناديها: هيا أيتها الفتاة هلمي إلي لتحظي بيوم سعيد بصحبتي.
فهرعت مسرعةً لدخول المدرسة وهي تطير فرحًا وعند دخولها للصف نادت معلمتها قائلة: أستاذة، كما اعتادت في وطنها، فقامت إحدى الطالبات بالصف بالضحك والاستهزاء عليها، وتقول بسخرية: لا ينادون المعلمة هنا بأستاذة بل أبلة، فاندهشت: لماذا تصرفت هذه الفتاة معي بهذه الطريقة؟!
وفي الاستراحة ذات الفتاة كانت تحاول إقناع الطالبات بعدم الحديث معها، فشعرت بالوحدة والحزن الشديدين وتساءلت: لماذا تتصرف هذه الفتاة معي بهذه الطريقة؟ فهو أول يوم ألتقي بها، فلم يبدر مني شيء يجعلها تعاملني بهذه الطريقة؟!
وكل يوم كان يمر عليها في المدرسة مع تصرفات الفتيات معها كانت تكتم غيوم الحزن حتى بدأ الحزن يشقق قلبها، ولا تريد الذهاب لمدرستها.
وفي يومٍ عادت لمنزلها وجفنها راعش مبلول وقلبها يئس مخذول فأخذت مكانًا في زاوية غرفتها المظلمة، وبدأت تصارع حزنها، وعندها دخلت أمها وأضاءت الأنوار، ورأتها تصارع غيوم حزنها، ولكنها لم ترد أن تخبر والدتها؛ لكي لا تشعر بالأسى، ولكن بعد حديث مطول اقتنعت الفتاة، وبدأت تخرج غيومها الداكنة شيئًا فشيئًا، وبدأت الغيوم بالاندثار وكأن الشمس تشرق من جديد، وشعرت براحة داخلية بعد انتهاء حوارهما، فتفطر قلب الأم من كلام ابنتها.
وذهبت في اليوم التالي للمدرسة للحديث مع المعلمة، وفي خضم حديثهما انهمرت دموع الأم على وجنتيها، وتساءلت المعلمة: لماذا لم تخبرها الفتاة عن كل هذا؟ وفي بداية الحصة بدأت المعلمة بتوبيخ الفتيات ونهرهن عن فعل هذا مرة أخرى وأن هذا التصرف يعتبر تنمرا وبالطبع ممنوع.
ولكن حقدهن ازداد عليها، وعدن إلى عادتهن القديمة. وكانت الفتاة تخبر معلمتها عن أفعال الفتيات اليومية لأنها شعرت بأمان، ولكن ذات يوم صرخت في وجهها، وقالت: هذا يكفي، ألا تستطيعين الدفاع عن نفسك؟ فحزنت الفتاة وأخبرت أمها، فردت: ابنتي عليك الدفاع عن نفسك وصدهن، ولكن لا تقابلي السيئة بالسيئة فسيشعرن بالخجل من أنفسهن، ويتركن هذه العادة السيئة.
وبالفعل بدأت الفتاة بالدفاع عن نفسها، وتطبيق نصيحة أمها ومعلمتها، وكأنها اجتازت مرحلة من لعبة شاقة تصل لمرحلة النهاية لتفوز بها، وهي الآن مستعدة لكل الصعاب التي ستواجهها في المراحل القادمة بقوة شخصيتها وطموحها الكبير الذي جاءت به مسرعة تحمله على كتفيها حتى تفرح أمها وأباها.
أتتساءلون من هذه الفتاة؟
إنها أنا، أنا التي أكتب هذه القصة، فقد عانيت الكثير الكثير من هذا، واجتزت الكثير من المراحل بنجاح، وفزت بهذه اللعبة.
وكل الفضل يعود لأمي التي وجهتني وكانت لي الصديقة الأولى دائما، ودفعتني للأمام.
الآن والحمدلله أصبحت صديقة الجميع في المدرسة، والكل يعرفني بأخلاقي وفطنتي وطيبتي، ولكن أتساءل دائما في كنانة نفسي إلى متى؟ إلى متى سيبقى هذا العالم داخل قوقعة التنمر؟ ومتى سيتحرر منها؟ إلى متى؟