العدد 5697
الإثنين 20 مايو 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
خربشة ومغزى.. "ظَفَارُ.. الأَثَرُ والتَّارِيخ.. واللُّبَانُ والمُرُّ موروثها"
الأحد 03 مارس 2024

ظفار غنية الأثر والتاريخ، واللُبان والمُرّ موروثها، عرفه العرب والسومريين والفراعنة والبابليين والرومانيين، لتحكي رسومهم المكتوبة ولوحاتهم عنه. هكذا اللبان والمر أذاع ظفار، والصمغ كذلك تميز فيها. هيرودورس اليوناني الذي عاش القرن الخامس قبل الميلاد كتب عنها، وبالمثل بطليموس وسترابو بعده. ميناء سمهرم والقوافل البرية كانت تحمل هذه السِّلَع بين ظفار وبلاد سومر، وتذهب غربا من ظفار لنجد عابرة جنوبي مدن الجزيرة العربية شبوة وحضرموت، وتصل شمالاً إلى نجران ويليها غزة. الربع الخالي مسلكاً تمخر رماله القوافل، هكذا الوصف المنقول والمخطوط.
بطليموس هو من أوائل من رسموا خريطة ظفار، ونُسختها عُرفت القرن الثاني عشر ميلادي فطالت مصادر عربية وأوروبية، بطليموس تمعَّن بجغرافية المنطقة، وأوضح موقع تصدير اللبان من الميناء سمهرم (خور روري)، وسماه سوق العُمانيين. الأواني والمعدات الآثارية التي تنتمي إلى العصر الحجري الحديث كانت ناطقة؛ بعضها في ظفار وفي شمال عُمان وداخل اليمن وعسير حملتها جدران الصخور والكهوف. 
أما المؤرخون المسلمون الذين ذكروا ظفار منهم؛ نشوان سعيد الحميري عاش القرن السادس هجري أشار إلى مدينة (أوبار) الخصبة شمال ظفار التي غطت الرياح مبانيها بالرمال. وكذلك المؤرخ الطبري والكسائي وياقوت الحموي ذكروا ظفار في كتبهم.
ظفار ذكرها ابن خلدون حيث يُقال فيها يوم شيدت ظفار قيل لمن انت قالت؛ لخير الاخيار. هي كذلك شاع أسمها في التاريخ القديم، ولا غرْو أن تجد في المرويات أن بلقيس ملكة سبأ جعلت لبان في مجموع ما أرادت هدية لنبي الله سليمان عليه السلام وهذا في قرون مضت قبل الميلاد ولعله القرن العاشر.
هنري جميس برستد عالم آثار ومؤرخ أمريكي المُتوفي عام 1935م ذكر في كتابه "تاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح الفارسي"؛ أن مادة المر الشبيهة باللبان وجدت في قبر توت عنخ آمون. 

تكاثرت هجرات القبائل العربية من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى عُمان. حيث استقرار جزء منهم في ظفار. وظهرت ممالك ودول من بينها "المنجويين والرسوليين وال كثير" وكانوا لهم جهد كبير في توسيع التوطن الحضري، والتجارة، وشيدوا موانئ ومدن منها مثلا؛ البليد وميناء سمهرم.

كذلك الرحالة برترام توماس الإنكليزي المُتوفى عام 1950م في كتابه"البلاد السعيدة" قال؛ إذا كانت هناك منطقة في شبه الجزيرة العربية تصدق عليها هذه التسمية إذا استثنينا اليمن فهي بحق المنطقة التي تسمى ظفار.

هكذا هي ظفار المدينة التي تقع على ساحل خور الذي خرج من بحر العرب داخلا على البر حيث تشكل منها مساحة ثلث عُمان الجنوبي، تحوطها اليمن في جنوبها الغربي، وصحراء الربع الخالي شمالا وشرقا محافظات عُمان الوسطى. وتعتبر ظفار قاعدة بلاد الشحر، وهي كذلك بوابة عُمان إلى المحيط الهندي ومنها تصل إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، وظفار معبر القوافل في جزيرة العرب. زار ظفار أبن بطوطة الطنجي المُتوفي عام 1377م قبل ما يزيد عن ستة قرون فقال واصفاً؛"منها تُحمل الخيل العتاق إلى الهند، ويقطع بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل. وهم (أهل ظفار)أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها، ولباسهم القطن وهو يجلب اليها من بلاد الهند، وأكثر رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون عليها العمائم "

اللبان يخرج من شجر الكندر وهو صغير، تجرح ساقه وقت الحر ويكشط القشر تحت الجرح حتى تصير فيه نقرة، فيخرج منه عصار لَبَني يجمع في تلك النقرة ويجمد فيها ويسمى هذا اللبان. فيعودون اليه بعد سبعة ايام ويجمعونه وقد يكون الصمغ منه أكبر من البيضة. ويكثر شجر الكندر في ثلاثة أماكن من جبال الغاره. واللبان استخدامه في التاريخ القديم كان يوقد عند هياكل الأصنام والآلهة. أما المر فينبت شجرة في جبال الغارة بجانب اللبان وصمغه ضارب الى الحمرة خلاف صمغ اللبان فهو أبيض . 

جبال الغاره خصبة يغطيها العشب ويكثر فيها شجر الجميز، يذكر الرحالون أن نساء الغارة بحاتر(قصار) لا حسان ولا قباح، صغار الأبدان ولكنهم شداد العصب، لا يتبرقعن يكتفين بتزجيج الحواجب وتكحيل العيون ورسم الخيلان في وجناتهن، وهذا يتجانس مع تضاريس ظفار الخلابة التي تحبس روعتها الأنفاس، وكذلك آثارها التاريخية، وعيون الماء الجارية على شريطها الجبلي، وحوافها المتاخمة للسهل الساحلي، ومنطقة النجد، وهي تتباهي مع أخواتها مدن سلْطنَة عُمان الأبية.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .