+A
A-

The Handmaid’s Tale

حينما صدرت رواية “ The Handmaid’s Tale، للكاتبة الكندية “مارجريت أتوود”، في منتصف الثمانينيات، حولتها هوليوود عام 1990 إلى فيلم حمل نفس عنوان الرواية، أخرجه الألماني “فولكر شلوندورف”، مخرج الفيلم الشهير “طبلة من صفيح” The Tin Drum، وكان من بطولة “ناتاشا ريتشاردسون”، وقامت بدور امرأة أميركية معاصرة، تجد نفسها يوماً جارية محرومة من كل حقوقها، بعد سيطرة حزب متشدد على حكم الولايات المتحدة المعاصرة، ولكن الفيلم لم يحقق نجاحاً كبيراً، وطواه النسيان، ويبدو أن أجواءه الكابوسية، ومود دراما الديستوبيا لم يكن جذاباً كما هو الآن؛ ورأى بعض النقاد -وقتها- أن قصة الفيلم مليئة بالتشاؤم والارتياب وجنون الشك، ولكن المسلسل الحالي الذي بدأت إنتاجه شبكة HULU عام 2017، وهو مأخوذ عن نفس الرواية، لا زال يحصد النجاح الجماهيري والنقدي، بعد ثلاثة مواسم، تروى حكاية الجارية “أوفريد - اليزابيث موس”.

في المسلسل نشاهد الحياة في دولة “جلعاد” الخيالية، حيث يعود الصراع الإنساني إلى صورته التقليدية القديمة؛ صراع بين ذكر مُتسلط، وأنثى تبحث عن حريتها، وهذه الردة الحضارية تحدث في الولايات المتحدة المعاصرة، التي أصبح اسمها “جلعاد”، ويحكمها حزب ديني متشدد، يتخذ مظاهر الدين ستاراً لتعظيم وترسيخ الهيمنة الذكورية على المرأة، ويمحو أية قوانين تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة، أو تمنحها حرية شخصية واستقلالية، ويسن قادة “جلعاد” قوانين جديدة، تعود بالمرأة إلى أزمنة العبودية، وتجبرها على الطاعة المطلقة للرجل، وتذهب تلك القوانين بعيداً، باستعباد النساء القادرات على الإنجاب، وإجبارهن على إقامة علاقات مع القادة، والتنازل عن مواليدهن لزوجات القادة العاقرات.

اسم “جلعاد” يعود إلى اسم مدينة أردنية قديمة، كانت مشهورة بخصوبة تربتها؛ وهو في المسلسل يشير إلى اسم الدولة الأمريكية الجديدة، التي تسعى لإنقاذ البشرية من حالة انخفاض الخصوبة التي أصابت كثير من النساء؛ بسبب التلوث البيئي، وانتشار الأمراض، وتجمع تلك الدولة النساء القادرات على الإنجاب غصباً، وتجبرهن على إقامة علاقات مع القادة والنخبة، وبعيداً عن تفاصيل السياسة والدين يركز العمل على الظروف القاسية التي تعاني منها الخادمات والجاريات المُنجِبات.

في هذا العالم تُحرم البطلة “جون أوزبورن”، من اسمها الحقيقي؛ فهي الآن “أوفريد”، أو جارية القائد “فريد”، ولا تُكافح “أوفريد” فقط التعصب الذكرى في دولة “جلعاد”، بل تكافح القسوة والوحشية التي تتخفي خلف رداء من التدين الزائف، والقوانين التي تمنع المرأة من القراءة، وامتلاك المال أو أية ملكية خاصة، وتحرمها أيضاً من اختيار شريك حياتها.

هذا الكفاح السري لم يكن سهلاً، ووضعها في خطر دائم؛ ففي دولة “جلعاد” تعدم الجاريات شنقاً في الميادين العامة، وتُعلق جثثهن على الحائط، لو ارتكبت أيا منهن أية مخالفة لقوانين “جلعاد”، ورغم أن “أوفريد” أبدت ظاهرياً إندماجها في ذلك العالم الجديد، لكنها كانت تقاومه داخلها، ولاحقاً بدأت تخطط لإنقاذ الطفلات الصغيرات من مصير حياة العبودية القاسية، بعد أن فشلت في اللحاق بزوجها الذي هرب إلى كندا، واستعادة ابنتها الصغيرة، التي انتزعتها منها سلطات “جلعاد” عنوة، ومنحتها لعائلة من النخبة.

في الأجواء القاتمة للحياة اليومية في دولة “جلعاد” تبرز الطبقية من خلال ألوان أزياء النساء المميزة؛ فحسب القوانين التي تحدد كود صارم لأزياء النساء، هناك ألوان تُمنح لكل طبقة من النساء؛ فترتدى زوجات القادة اللون الأزرق الفيروزي، وهو لون وقور يمنحهن هيئة ملكية، وتسريحة شعرهن موحدة ومُحافظة، تجمع فيها السيدة شعرها للوراء، ولون زي عامة النساء، البعيدات عن السلطة هو الرمادي، وترتدي الجاريات المنجبات زيا أحمر فاقعا مثيراً، وقبعة بيضاء تدارى أغلب وجوههن، ولون زي خادمات المنزل أخضر باهت، الذي يجعلهن تقريباً غير مرئيات، أما من يُطلق عليهن “العمات”، وهن نسوة صارمات تشرفن على تدريب الجاريات على مهامهن، فترتدين اللون البني، الذي يقترب من ألوان أزياء الجنود، ويرتدي الرجال في “جلعاد” اللون الأسود، جميع القادة والساسة ورجال الأمن والسائقون وغيرهم من الرجال يرتدون هذا اللون المهيب المُقبض.