+A
A-

براءة شاب من وضع قنبلة في سترة

برأت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة شابا مما نسب إليه من اتهام بوضع قنبلة وهمية على شارع رقم 1 في منطقة سترة، وأمرت بمصادرة المضبوطات؛ لأن الأدلة المقدمة ضده قاصرة لإدانته والنيل من أصل براءته، خصوصا أن الواقعة تم تقديم أكثر من 4 متهمين فيها ولم يتم إحالتها للمحكمة وصدر أمر من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى.

وكانت النيابة العامة قد أحالت المتهم للمحاكمة على اعتبار أنه بتاريخ 14 نوفمبر 2015، وضع وآخرون مجهولون بمكان عام هيكلا محاكيا لأشكال المتفجرات والمفرقعات تنفيذا لغرض إرهابي.

وتشير تفاصيل الواقعة المتهم فيها الشاب إلى أن ملازما أول كان قد شهد بتاريخ 9 فبراير 2016 بتحقيقات النيابة العامة أنه بتاريخ 14 نوفمبر 2015 وأثناء ما كان على واجب عمله كضابط عمليات مديرية شرطة العاصمة، وردت إليه رسالة مفادها قيام حوالي 50 شخصا بالتجمهر ورمي “المولوتوف” على رجال الشرطة في منطقة سترة واديان مجمع 608 على شارع رقم 1، وتم التعامل معهم ووضح المتجمهرين بوضع جسم غريب على الشارع.

وعليه انتقل إلى الموقع وحضر فريق التدخل السريع، الذين تمكنوا من التعامل مع الجسم، والذي تبين أنه جسم وهمي ولم يتم التوصل إلى هوية الجناة حتى تاريخه التحقيق.

فيما شهد ملازم أول آخر بتاريخ 11 أبريل 2018 بمضمون ما شهد به الشاهد الأول، لكنه أوضح أنه بعد إجرائه تحريات تكميلية مكثفة بالاستعانة بمصادره السرية، تمكن من التوصل إلى أن المتهم وشخصا آخر وآخرين مجهولين ارتكبوا الواقعة، فتبين له أنهم موقوفون على ذمة قضايا أخرى، فتم استصدار أمر من النيابة العامة بجلب المتهمين وتم سؤالهم عن الواقعة، إلا أن المتهم أنكر ما نسب إليه.

وثبت من تقرير مختبر البحث الجنائي المؤرخ 27 مارس 2018 بأن المتهم هو مصدر الخلايا البشرية المرفوعة من على شريط لاصق لف على أنبوب برتقالي اللون وشريطين لاصقين أسودَي اللون، وكذلك أحد مصادر خليط الخلايا البشرية المرفوعة من على شريط أبيض اللون لف على سلك كهربائي.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه لما كان ذلك، وباستعراض وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها، فإنها ترى أن الاتهام قِبل المتهم قد أحيط بظلال كثيفة من الشكوك والريب؛ ذلك أن الواقعة ارتكبت بتاريخ 14 نوفمبر 2015، ولم تتوصل التحريات إلى مرتكبها، والنيابة العامة قررت في الأوراق بألا وجه لإقامة الدعوى؛ لعدم معرفة الفاعل، ثم قدم ملازم محضرا بالتحريات مؤرخا بتاريخ 29 ديسمبر 2016 أورد فيه أن مرتكبي الواقعة هم 3 متهمين آخرين من غير المتهم الحالي، وسئلوا بتحقيقات النيابة فأنكروا التهم المنسوبة إليهم، والنيابة العامة قررت بألا وجه لإقامة الدعوى.

وأضافت أنه ورد محضر تحريات ثانٍ - تكميلي - من إدارة المباحث الجنائية محرر بمعرفة ملازم أول آخر مؤرخ 8 يناير 2018 يفيد بأن تحرياته دلت على اشتراك المتهم وشخص ثانٍ بالواقعة، وبالتحقيق معهما بمعرفة النيابة العامة أنكرا ما نسب إليهما من اتهام، حتى ورد تقرير مختبر البحث الجنائي مؤرخ بـ 27 مارس 2018، يفيد بأن المتهم هو مصدر الخلايا البشرية المرفوعة والمذكورة مسبقا.

وعلى إثر ذلك التناقض في محضري تحريات ضابطي الواقعة بأنهما اعتمدا على مصادرهما السرية الموثوقة في كلا المحضرين، تشكك المحكمة في جدية تلك التحريات، وترى المحكمة أن تلك التحريات غير جدية وجديرة بطرحها جانبا وعدم التعويل عليها وعلى شهادة من أجراها، والمحكمة إلى هذا الحد لا تطمئن لجدية تلك التحريات ولا لشهادة من أجراها ولا تطمئن كذلك إلى تقرير مختبر البحث الجنائي كدليل كافٍ للإدانة، فهي قرينة لا تكفي وحدها لإقامة الاتهام قبل المتهم ودلالتها افتراضية محضة؛ لأنها تحتمل صورا شتى من التأويل والاحتمال والشريط اللاصق؛ باعتباره من الأشياء المتداولة، فإن وجود خلايا بشرية للمتهم عليه لا يكفي بحد ذاته ولا يؤدي بطريق اللزوم العقلي إلى أن المتهم هو مرتكب الجريمة.

وأشارت إلى أنه لما كان الثابت أن المتهم عند سؤاله في النيابة العامة قد اعتصم بالإنكار، وترى معه المحكمة أنه أولى بالاعتبار، فمن ثم يضحى الدليل القائم في الأوراق قاصرا عن بلوغ حد الكفاية للقضاء بإدانة المتهم أو النيل من أصل البراءة المفترض فيهما، خصوصا أن باقي الأدلة التي أوردتها النيابة العامة جاءت مثبتة للواقعة المادية محل الاتهام، إلا أنها لا تدل بذاتها على أن المتهم هو مرتكب تلك الواقعة.

وانتهت إلى القول إنه وحيث إن الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة، ومن جمع ما تقدم وإزاء قصور الدليل قبل المتهم، فالمحكمة تتشكك في ثبوت الواقعة قبله ومن ثم يتعين على المحكمة والحال كذلك وعملا بنص المادة 255 من قانون الإجراءات الجنائية القضاء ببراءة المتهم مما أسند إليه من اتهام.