تزامنًا مع حلول عيد الفطر السعيد أصدر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه مرسومًا ملكيًا للعفو عن (1584) محكومًا، وهي سُنة حميدة ونخوة عربية تمسك بها جلالة الملك في جلّ المناسبات الوطنية والدينية. وقد أثلج هذا العفو قلوب المواطنين وذوي المحكومين. ولهذا العفو أهمية كبيرة وأثرٌ عظيم، وهو من الصفات المحمودة القوية التي يتسم بها الإنسان، ومن المبادئ والأخلاق الكريمة التي دعا إليها الإسلام. فقال تعالى "وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ". ولنا في رسول الله "ص" أسوة حسنة ــ فقد صفح عن قريش عندما مكنه الله منهم. وكذلك من الصفات النبيلة التي اتصف بها الأنبياء "عليهم السلام". والعفو عند المقدرة من سياسة الرفق بالرعية والعناية بهم، ومن شيم العروبة، وباب من أبواب معالجة الأمور التي تؤتي أكلها في حاضر ومستقبل الأيام للعباد والبلاد، وتؤصل للوحدة الوطنية.
لقد شرع الله سبحانه وتعالى القصاص، لكنه فضل العفو على القصاص، وإذا كانت المعاقبة جوهر العدل فإن العفو قمة الفضل، فالعفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، ومن صفات العافي الصبر والحلم والسريرة النقية. وعندما يعفو القادر على العقاب فهو مؤشر على سمو القيمة الإنسانية العُليا التي يتحلى بها هذا الإنسان، والتي تُعظم سجله وتاريخه. وبه يَتصدر العافي المنزلة الرفيعة والمحبة عند الرب وعند الناس. وللعفو فوائد كثيرة تعود على الفرد والمجتمع، نذكر منها ــ في العفو إصلاح للفرد، ويُزَين النفس بالصفا والمودة، ويدفع الناس إلى المحبة فيما بينهم، ويتحقق مبدأ التسامح والتعايش، ويُساهم العفو في توثيق الروابط الاجتماعية ويُقويها، وفي العفو السكينة والطمأنينة النفسية، ويُعبد للمعفي عنه طريقًا لمدارة الخطأ وفرصة لمعالجة ما تم وحدث، وبه بداية لصفحة جديدة من الحياة.
وعلى المعفى عنهم أن يلتمسوا هذه الفرصة من أجل السعي للانخراط في المجتمع، والمساهمة في مسيرة التنمية الشاملة كأفراد صالحين لأنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، وليدركوا أن هذه اللفتة الإنسانية والأبوية الكريمة والوطنية ــ العفو ــ ركيزة أساسية لقيم التسامح وتعزز من التماسك المجتمعي والترابط الأسري وتحمي النسيج الاجتماعي، وتتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان وسيادة العدالة والقانون. وليعلموا ــ بأن العفو مدخل أساسي لتحقيق الاستقرار والأمن المجتمعي. فالعفو بداية جديدة وطريق زاهر ليندمج المعفي عنهم في مجتمعهم ليساهموا بدورهم في بناء وطنهم في فضاء من التعايش الأصيل، بما يُحقق التقدم والازدهار والنماء للبحرين والرخاء لشعبها، ويرفع من سور التلاحم والوحدة الوطنية البحرينية.
كاتب وتربوي بحريني