تشير أدبيات المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum (WEF) إلى تطور أسواق العمل عبر أربع ثورات صناعية، وذلك منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى وقتنا الراهن.

فانطلقت الثورة الصناعية الأولى منذ (1775م) مع اختراع المحرك البخاري، تبعها ظهور وتوسع استخدام الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والاتصالات البرقية أو التلغرافية. أما الثورة الصناعية الثانية فعرفت بالاعتماد على الآلات والمكائن لتحل محل الطاقة البشرية اليدوية، كأفضل وأسرع من الموارد البشرية، بل وغدت العمليات الإنتاجية في قطاعي الزراعة والصناعة أكثر كفاءة وفعالية، وبعدد أيد عاملة أقل، وبالتالي التخلي تدريجيا عن العمالة ذات المهارة المتدنية والأعمال ذات العمالة الكثيفة. وأتت بعدها الثورة الصناعية الثالثة منذ خمسينيات القرن العشرين، مع بدء المرحلة الرقمية المتميزة بظهور أجهزة الحاسب الآلى، والانترنت والهواتف المحمولة والذكية، وفقا لتقرير مستقبل الوظائف للمنتدى لعام (2023م). أما العقود الحديثة فقد سجلت تسارع دورات الاختراعات والابتكارات مع انطلاق الثورة الصناعية الرابعة بمرتكزاتها الأربعة: الذكاء الاصطناعي (AI)، وأنترنت الأشياء (IoT)، والانسان الآلي المتقدم، والتكنولوجيات الأكثر حداثةً، والتي هي الآن على حافة إرباك العديد من القوى العاملة لذوي الياقات البيضاء أو موظفي المكاتب وأصحاب الوظائف ذات المهارات العالية، والتي كانت تتمتع بحصانة وظيفية سابقاً. هذه التغيرات التكنولوجية السريعة أدت إلى تحولات عميقة التأثير على الأشغال والمهارات في المستقبل.

وتبين الأرقام الحديثة أن نحو (60 %) من الوظائف في العالم ستتأثر في السنوات الــ (10-15) القادمة، مع ظهور آثار الأتمتة والتشغيل الآلى والتي كانت من نصيب العمالة البشرية بشكل مضطرد على الدورين المادي أو الجسدي، والذهني أو الفكري، حيث نرى الآن أن تقنيات الذكاء الاصطناعي بإمكانها كتابة الشفرات أو الكودات، ومراجعة مقالات الطلبة، بل ورسم الشخصيات لألعاب الحاسب الآلي وبالتالي تهدد العاملين في مجال مهندسي البرمجة والكودات، والمعلمين والرسامين. ولحسن الحظ فإن هذه التحولات التقنية و الاجتماعية، ستخلق بدورها فرص عمل جديدة، وأن (65 %) من طلبة الصفوف الابتدائية اليوم، سيشغلون وظائف لم توجد بعد. وعلى سبيل المثال، فإن طياري الطائرات بدون طيار (Drone Pilots) لم تكن موجوده كوظيفة قبل عشر سنوات. ونتابع.