العدد 5632
السبت 16 مارس 2024
banner
عباس العماني
عباس العماني
تحقيق برلماني أو فنّي!
السبت 16 مارس 2024

يهدف التحقيق البرلماني إلى "المحاسبة"، والتي تتطلب بالضرورة "تحديد المسؤول" عن مكامن الخلل والخطأ التي توصّلت لها لجنة التحقيق البرلمانية، والتي تشكّلت في الأساس بناءً على رغبة من مجلس النواب باستجلاء الحقيقة عن وقائع محدّدة تتعلق بتنفيذ السياسات والأهداف الحكومية. وهذا الهدف النهائي لتشكيل اللجنة، بات غائبًا عن لجان التحقيق البرلمانية بمجلس النواب في السنوات الأخيرة، والتي أصبحت ترفع توصيات مجرّدة، في صيغة مقترحات عامّة مقطوعة عن إطارها السياسي.

أسجّل هذه الملاحظة وأنا أقرأ تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في الخدمات الطبية، والتي أقرّ المجلس تقريرها في جلسةٍ سابقة، ذلك التقرير الضخم الذي تجاوز الـ 4 آلاف صفحة، أغلبها مرفقات جانبية، عبارة عن نسخ من قرارات وقوانين وتعاميم ومراسلات ومذكرات قانونية ودراسات.

ورغم أن اللجنة توصلت إلى 51 استنتاجًا، شرحت فيها أهم ملاحظاتها ومشاهداتها، إلا أن الكثير من تلك الملاحظات جاءت تفصيلية أكثر من اللازم، وليست من مهمات التحقيق البرلماني الذي يركّز على السياسات العامة والإجراءات والقرارات في إطارها العام والسياسي، كالملاحظة التي نصّت على التالي "لاحظت اللجنة عدم تعديل مسميات الفنيين في المركز إلى أخصائيين رغم حصولهم على الشهادات.."، أما التوصيات الـ 32 التي كتبتها اللجنة وأقرّ المجلس إحالتها للحكومة، فهي توصيات عائمة، تجنّبت حتى الإشارة إلى الجهات المعنية بتنفيذها صراحة، فضلًا عن تحميل المسؤولية الوزارية أو السياسية، كالتوصية رقم (27) التي نصّت حرفيًا على التالي "العمل على زيادة مساحة وحدة السمعيات في قسم الأنف والأذن والحنجرة وتحسين عزلها الصوتي". أعتقد أن الكثير من الاستنتاجات والتوصيات التي جاءت بها اللجنة، أقرب إلى عمل اللجان الفنيّة والتقنية، وأبعد ما تكون عن العمل البرلماني الذي يميل في جوهره إلى محاسبة الجهات الحكومية، فالتحقيق البرلماني يقوم في أساسه على تقصّي الحقائق من السلطة التشريعية للكشف عن التنفيذ الخاطئ للقواعد العامة في الدولة وتحديد المسؤول عن ذلك ومساءلته والوصول إلى المخالفات، وبالتالي وضع اقتراحات "تحريك المسؤولية السياسية"، وهو الغائب تمامًا عن تقرير اللجنة.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية