العدد 5631
الجمعة 15 مارس 2024
banner
هل تتجاوز المهنة المحنة هذه المرة؟
الجمعة 15 مارس 2024

“ستتجاوز المهنة المحنة هذه المرة، كما تجاوزت التحديات السابقة” قالها صديقي الكاتب الصحافي، تعليقا على مقالي السابق المعتمد على تقرير معهد رويترز للصحافة الأخير المثير للقلق، وملخصه أن الذكاء الصناعي يشكل أكبر تهديد للمهنة وممتهنيها، وسط تراجع عوائدها وارتفاع كلفتها، وتقلص تأثيرها.
وخلصت نتائج استطلاع التقرير هذا العام إلى أنّ القوة الضخمة للذكاء الاصطناعي (AI) ستجتاح الفضاء الإعلامي في 2024، وسط تذبذب سياسي واقتصادي حاد يشهده العالم.
تذكرت هنا نصيحة زميل سبقني للمهنة بسنوات منتصف التسعينات، وهو يعلمني قاعدة أساسية، مفادها أن الصحافي يعني “أجندة مصادر” و “علاقات جيدة ووثيقة مع تلك المصادر”، وأن “المخبر الصحافي” هو أساس المهنة.
إذًا فالذكاء الصناعي مهما بلغ، فلن يمكنه القيام بهاتين المهمتين: بناء علاقة مع المصادر، والحصول على أخبار وانفرادات صحافية.
ما يزال الذكاء الصناعي ناشطا في منطقة إنتاج التقارير والكتابات الصحافية المعتمدة على ما هو متاح مما جمعناه ونشرناه، نحن الصحافيون، وليس بمقدوره، بعد، توليد الأخبار ابتداء.
إذًا، فالمؤكد أن عددا كبيرا ممن يحتلون صالات الأخبار سيحيلهم الذكاء الصناعي للتقاعد: كتاب التقارير والتحقيقات والمخرجين الصحافيين ومنتجي الفيديوهات والمعلقين عليها، وسيبقى هناك وحدهم جالبو الأخبار أو المخبرون الصحافيون.
المعضلة التي لم ينتبه لها البعض، أن الأمر هذه المرة لا يتعلق بتغير الوسيط، بل بظهور منافس للصحافي نفسه، وهو الذكاء الاصطناعي.

الصحافة كمهنة ترمي إلى تقديم الحقيقة مجردة نزيهة للناس، ستظل باقية بقاء الحاجة لمتابعة الجديد، والشغف لمعرفة ما وراء الحدث، ولكن عبر أي وسيط؟ وبأي أيد؟
خلصت من تقرير رويترز إلى أن القفزات المذهلة للذكاء الصناعي، تزيد من اعتماد ملاك وسائل الإعلام الجديد عليه في توليد المنتج الصحافي التقليدي، سواء تقارير أو أخبار.
وحسب استطلاع تقرير معهد رويترز لنحو 300 من قادة الإعلام، يشعر نصف الذين جرى استطلاع آرائهم (47 %) فقط بالثقة في آفاق الصحافة في العام المقبل، بينما عبّر عُشر العينة تقريبًا (12 %) عن تفاؤل محدود.
وتنبع المخاوف من ارتفاع تكاليف الإنتاج الصحافي والإعلامي، بالتوازي مع انخفاض عائدات الإعلانات، وتباطؤ نمو الاشتراكات.

أما أسباب التفاؤل، فهي مستندة على أحداث تقع على المدى القريب، منها الانتخابات الأميركية والأولمبياد، التي تنشط عادة الطلب على الإعلام، وتضاعف حركة المرور والقراءات على المنصات والمواقع الإخبارية.
بشكل عام، يعبر المزاج السائد في استطلاع هذا العام عن الإيمان القوي بقيمة الصحافة، مع قدر كبير من عدم اليقين بشأن العام المقبل، تغذيه التوقعات بحدوث موجة ضخمة أخرى من الاضطراب التقني.
وكان توسع الإنترنت ووسائطه ما بين مواقع إخبارية ومنصات تواصل اجتماعي، ضربة للوسيط المقروء، وكل ما سبق من تحديات لم يكن تهديدا للوسيط الورقي ووسيلته المبنية على القراءة، فالمذياع طريقه الأذن، والتليفزيون طريقه العين، أما الإنترنت فكان تهديداً للقراءة نفسها بالشكل القريب من الورقي، ولكن بشكل إلكتروني.
مجددا، يؤكد التقرير احتياج الصحافيين ومؤسسات الأخبار إلى إعادة التفكير في دورهم ورسالتهم بشكل عاجل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية