وقت ظهور هذه السطور، ستكون الولايات المتحدة الأميركية على بعد ساعات قليلة من نهار الثلاثاء الكبير، ذاك الذي تتحدد فيه شخصيات المرشحين لسباق البيت الأبيض. تأتي هذه الانتخابات مختلفة عن الكثير من الانتخابات السابقة، لاسيما في ظل حالة التصارع والتشارع التي تعم الشارع السياسي، والمنافسة التي تجاوزت المعروف والمألوف والموصوف في أزمنة الانتخابات، حيث تكاد أميركا المتشظية تنقسم روحها في داخلها، وبصورة تهدد نسيجها الوطني، ويكفي المرء أن ينظر إلى الجنوب الأميركي، حيث القوات الفيدرالية، تكاد تشتبك مع الحرس الوطني، والميليشيات الشعبوية في ولاية تكساس على الحدود مع المكسيك، ما أرعب الكثير من كبار المفكرين الأميركيين، خوفا وهلعا من فكرة الاحتراب الأهلي.
يعن لنا التساؤل: "من هو الرئيس الذي تحتاجه الولايات المتحدة الأميركية في هذا التوقيت؟ لا نقصد من التساؤل المفاضلة بين بايدن وترامب، ومن هو الأنفع والأرفع للولايات المتحدة، إنما الجواب يسعى في طريق البحث عن مواصفات القائد – الرئيس الكفيل بانتشال الولايات المتحدة من واقع حالها المأزوم. المؤكد قبل كل شيء، هو أن الرئاسة عامة، والأميركية خاصة، ليست مجرد وظيفة سياسية أو إدارية، بل إنها تمثل مؤسسة ومنصبا يلمس حياة الأميركيين في السراء والضراء وفي الأزمات ومراحل التحول. من هنا تتضح أهمية عمل الرؤساء على توحيد قوى الشعب الأميركي في النكبات والنكسات خصوصا. ليس سرا القول إن انتخابات 2020 تركت جرحا غائرا في الجسد الأميركي، وخلقت شقاقا كبيرا، إذ لا يزال نحو 70 مليون جمهوري، يقطعون بأنها كانت انتخابات مسروقة. أدرك الرئيس بايدن بعمق هذه الإشكالية، لهذا وعد في خطاب تنصيبه بتوحيد صفوف الأميركيين، وإنهاء الخلافات البينية بينهم، والعمل على تقوية السبيكة المجتمعية، ومحاربة الاستقطابات الحزبية الضارة، لكن ومن أسف يمكن القطع بأن الرجل لم يقدر له أن يوفي بما وعد، لسبب أو لآخر.. ترامب بدوره، بدا في لحظات كثيرة، سواء خلال رئاسته، أو بعد أن ترك البيت الأبيض، حجر عثرة، لا حجر زاوية، ومن هنا يمكن القول إن هناك أحاديث ما ورائية تدور خلف الكواليس تتناول فكرة البدلاء، وإزاحة المرشحين الجمهوري والديمقراطي الحاليين من على ساحة المنافسة، وإحلال آخرين محلهما، يكونان قادرين على بذل قصارى جهودهما لتذكير الأميركيين بالتزاماتهم وقيمهم المشتركة، إضافة إلى بذلهما الجهود الكبيرة لتعزيز فكرة القلب الواحد والمصير الواحد.
ما يتوق إليه الأميركيون اليوم رئيس قادر على لم شمل الأمة الأميركية لا تمزيقها، رئيس قادر على حشد طاقات هذا الشعب معا، وأن يزرع في نفوس الأميركيين التحدي تجاه العمل الأفضل للدولة.
قلة من الرؤساء الأميركيين أدركوا هذا الدور جيدا، ولقد كان من القلائل الذين نالوا شهرة واسعة في عصره، إذ إنه اتسم بسمات خلدت اسمه في التاريخ، مثل الاستقامة وسداد الحكم وتكريس نفسه لخدمة أمته. استنتج "واشنطن" أن القيمة الحقيقية للدستور تكمن في اشتماله العادات والتقاليد والممارسات والتأويلات والسوابق التي يتمكن من خلالها الأميركيون من فك رموز الدستور الرسمي، وتفضيل المصالح القومية على المصالح الشخصية، وبذلك تحول إلى صورة وحدوية بارزة وبطل عسكري ورمز قومي للأمة بأسرها.
رجل آخر أعطى نموذجا مماثلا، أبراهام لنكولن، ذاك الذي من خلال قدرته الفائقة على أن يكون شخصا عاديا يتحلى بسمات غير عادية، استطاع أن يوحد الشعب الأميركي في أصعب محنه، وشجع روح الإحياء والتحرر التي كانت الأمة تنشدها.
دفع لنكولن حياته ثمنا غاليا وعاليا لإيمانه بفكرة الحرية، ورفضه طرح العبودية وأزمنة الرق التي عرفتها الولايات المتحدة طوال عقود من تاريخها.
هل يمكن أن تشهد الولايات المتحدة على عتبات نوفمبر القادم، نموذجا مشابها لواشنطن أو لنكولن، لاستنقاذ البلاد والعباد من السيناريو الأبوكاليبسي القائم والقادم؟.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية