العدد 5615
الأربعاء 28 فبراير 2024
banner
عن مجلس الأمن وأزمة غزة
الأربعاء 28 فبراير 2024


ما هو الدور المنوط بمجلس الأمن، القلب النابض للأمم المتحدة؟ الشاهد بحسب النصوص الرسمية للأمم المتحدة، يتحمل مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، ولدى مجلس الأمن 15 عضوا، كل عضو لديه صوت واحد. بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم جميع الدول الأعضاء بالامتثال لقرارات المجلس. يأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني، ويدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية، وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما.
تكاد الكلمات الطنانة والرنانة المتقدمة، تضحى أحلاما مخملية، ورؤى يوتوبية ليس أكثر، فيما الواقع العملي يقطع بأن هناك خللا جوهريا في فعاليات وعمليات هذا المجلس، إذ باتت قراراته ترتبط بنوع خاص بالقدرة على المنح أو المنع، التصويت مع أو التصويت ضد، أي التمايز المخل تبعا لكل قضية ومن يساندها من القوى الدولية. الأمر الآخر الذي يجعل من هذا المجلس هيكلا غير عادل في قراراته، فكرة "حق النقض" الذي تملكه الدول الخمس الكبار، ما يعني أن القول بأن أعضاءه 15 عضوا، قول صوري، فيما الواقع الحقيقي هو أن مصير قراراته يقع في أيدي الخمسة الكبار وليس أكثر. جاءت أزمة غزة الأخيرة لتذكر العالم بـ "لاعدالة الأمم المتحدة ومجلس الأمن دفعة واحدة"، لاسيما بعد استخدام واشنطن حق النقض لإبطال مشروعات قرار وقف إطلاق النار. منذ العام 1967 والقرار الأممي 242، لا يساوي الحبر الذي كتب به، ولا يزال الحق العربي ضائعا، وتلاه القرار 338 الذي نال نصيبه من قلة الفاعلية، كل هذا لأن الحق هو ما تراه الدول التي تمتلك حق الفيتو، أو التي تمتلك القوة الساحقة الماحقة التي لا تقيم وزنا لعدالة أممية أو شرعية دولية. 
ما جرى في مارس 2003، من غزو أميركي للعراق، إنما جرى بفعل الارتكان إلى القوة وليس إلى الحق، ما يعني أن هناك دولا تنتقل من مربعات البربرية إلى الهمجية، من غير المرور بحواضن الحضارة الإنسانية. 
ما جرى من استخدام للفيتو الأميركي مرتين خلال نحو شهرين ضد قرارات أممية سعت لوقف إطلاق النار في غزة من قبل إسرائيل، يفيد بأن هذا المجلس بل الأمم المتحدة برمتها، قد تجاوزها الزمن، لا سيما بعد قرابة ثمانية عقود من نشوئها وارتقائها، تغيرت فيها الأوضاع وتبدلت الطباع، وباتت قراراتها كالبندقية الفارغة، دوي من غير صدى على الأرض.
هل تحتاج الأمم المتحدة إلى إصلاح هيكلي، أم إلى تفكيك وإعادة تركيب من جديد، وبما يلائم عالم ما بعد الحرب الباردة، ثم ثلاثة عقود من الانفراد والهيمنة الأميركية؟
أفضل من قدم جوابا على السؤال المتقدم البروفيسور "فرانسيس فوكاياما" عالم السياسة الأميركي الأشهر. 
بداية يرى فوكاياما أن العالم اليوم لا يمتلك ما يكفي من المؤسسات الدولية التي تستطيع أن تسبغ الشرعية على العمل الجماعي، وسيكون إنشاء مؤسسات جديدة تستطيع أن توازن على نحو أفضل متطلبات الشرعية والفاعلية، هو الواجب الأسمى للجيل القادم.
الحل الواقعي الذي ينشده مفكر كبير بقدر فوكاياما لمشكلة العمل الدولي الذي يكون فعالا وشرعيا معا، يكمن في إنشاء مؤسسات جديدة، وتكييف المؤسسات الموجودة لتلائم الظروف الجديدة.
تغير العالم كثيرا جدا مؤخرا، وبدا أن هناك قوى إقليمية ودولية بازغة تلعب أدوارا مهمة وفاعلة لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار في الحسابات الأممية، وبنوع خاص فيما يخص مسألة الفيتو أو حق النقض، فقد بات من غير المقبول أن تتحكم خمس دول في مقدرات العالم في حين تبقى البقية الباقية على هامش الأحداث.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية