العدد 5618
السبت 02 مارس 2024
banner
الحكمُ بعد التداول
السبت 02 مارس 2024


متى نتوقف عن إطلاق الأحكام على الآخرين حسبما نرى، وكيفما نفهم، لا كما هو واقع الحال، ومن ذا الذي نصبنا حكاماً على الآخرين؛ فادعينا الحق في إطلاق الأحكام على سلوكيات وممارسات وتصرفات وأخلاقيات الغير بهدف التهكم وتشويه السمعة؟
الحكم على الآخرين طبيعة بشرية راسخة، إلا أن توظيفها فيما يخدم نمونا الشخصي، ويحدد أهدافنا، ويوافق قيمنا، ويحترم ذواتنا؛ يقودنا لخيارات اجتماعية جيدة حين نطلق أحكامنا بنوايا إيجابية مثمرة تسهم في تطوير ذواتنا للأفضل.
نحن لا نعلم ما قاسى الآخرون من ابتلاءات، وكيف عانوا وأطاحت بهم المحن حتى استقاموا على أقدامهم من جديد، ولم نشهد صراعاتهم مع الحياة ومع من حولهم، وأخذنا الصورة من جانب واحد هو الذي نراه من الزاوية التي نمكث فيها لنراقبهم ونطلق أحكامنا شديدة القسوة التي لا تمت لواقعهم أو لحقيقة ما جرى عليهم أو لشخصياتهم الحقيقية بصلة.
نفعل ذلك حين نتسرع في الحكم على الآخرين من حولنا ونضعهم في قوالب صنعناها في عقولنا، فحين نرد رداً مسيئًا على أحد ما عبر وسائل التواصل، قد نتسبب بإلحاق الضرر به أو بأنفسنا، بسبب أفكارنا الانتقادية التي كان حرياً بها أن تكون إيجابية بناءة، أو على أقل تقدير محايدة.
كثيراً ما نطلق أحكاماً على الآخرين بناء على كلام شخص ما عنهم لا بحسب ما نراه نحن، متغاضين عن الدوافع التي قد تدفع ذلك الأخير لإطلاق أحكامه.
"عليكم أنفسكم" فقد نكون نحن من يصدر منا السلوك الذي استنكرناه فأطلقنا حكمنا القاسي على الآخرين، فهل فكرنا في أحكام الآخرين التي قد يطلقونها علينا لو صدر ذلك السلوك منا، وهل سنقبل بتلك الأحكام المجحفة؟
التريث والتفكير في الأسباب التي قد تدفع الآخرين لسلوكات وتصرفات معينة، والنظر في الدوافع وراء تلك السلوكات، ووضع النفس موضع الآخر لاستيعاب موقفه وإدراك وضعه ومشاعره وأسبابه، يجعل أحكامنا التي نطلقها أكثر صدقاً وانطباقاً وواقعية، والكف عن اتخاذ مواقف سلبية تجاه الآخرين ينبع من الفهم العميق لطبائع البشر واستيعاب كوامن النفس الإنسانية، لكلٍ حسب ظروفه وملابسات أحواله.

كاتبة بحرينية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية