العدد 5616
الخميس 29 فبراير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الإعلاء من شأن المواطنة
الخميس 29 فبراير 2024

في المجتمعات المتعددة فئويا، يمكن أن يواجه مفهوم المواطنة بازدواجية الانتماء، وقد يغيب الوطن عند أول أزمة، وتتقدم الفئوية على نحو حاد. نرى ذلك اليوم مجسدا في بعض البلدان التي شهدت مواجهات عرقية أو طائفية أو دينية أو قبلية، حيث يختفي الوطن الذي يجمع مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وتنشأ الخطابات والتحالفات على أسس فئوية لتعمق المفكك، والأخطر من ذلك القبول بهذا التفكيك كسمة من سمات الهوية والتعايش.
وبالرغم من الإنكار في بعض الأحيان لهذا الطابع ورفضه على صعيد الخطاب، فإنه مكرس عمليا، ولا يمكن تجاهله في ظل ما يطرحه من تحديات تواجه الطموح نحو بناء “المواطنة المتساوية” التي تعني الانتماء إلى هوية مشتركة ونمط عيش، وتوافق على العيش وفق أسس وطنية ثابتة، حيث لا يخفى أن المجتمع المقسم يكرس قيم الانحياز إلى الهويات الفرعية بدلا من الانحياز إلى الوطن، ما يهدد وحدته ومناعته. كما أن التأثير المتزايد للخطابات التقسيمية يسبب قدرا من التخلخل في المفهوم والرؤية، تضيع معه المواطنة، ويتحوّل المواطن بما يمثله من ارتباط عاطفي بالوطن، ومن ارتباط عقلاني بالضمير الجمعي، إلى مجرد رقم تحدّد الجماعة اتجاهاته، بما يسلبه حرية الاختيار واتخاذ القرار، وهنا تبدأ مشكلة الاصطفاف والصراعات التي لا تنتهي. وبالرغم من محاولات صياغة شعور الانتماء الجمعي وتكوين فكرة المواطنيّة والسعي إلى توطين قيمها، فإن أغلب مجتمعاتنا العربية لم تنجح في تحقيق ما يجنب الانزلاق إلى التقسيم وانفراط الرباط الاجتماعي وتخلخل البنية المواطنية واختفائها في بعض الحالات، الأمر الذي سهّل في الغالب حدوث الفرز بكل أشكاله التقسيمية، وربما بناء نظام الكنتونات الذي نراه في بعض البلدان، وهو أخطر ما يمكن أن تصل إليه المجتمعات. إن التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا العربية تحتاج إلى تعزيز المواطنة قولا وفعلا و”الإعلاء من شأن الوحدة الوطنية” وإعطائها الأولويّة في سلّم القيم، لمواجهة التحديات المتصاعدة، وتعزيز فرصة بناء مجتمع متضامن تقوى فيه الروابط ومظاهر السلوك المدني. ولن يحدث ذلك من دون عدالة اجتماعية ومواطنة يتساوى فيها الجميع.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية