العدد 5613
الإثنين 26 فبراير 2024
banner
البخيل يموت مرتين
الإثنين 26 فبراير 2024

استذكرت قصة سمعتها من صديق، مساء يوم من العام 2005م، حيث لفت انتباهي يومها حفلة جميلة في أحد بيوت الجيران القريبة من بيت عائلته، حيث كانوا يوزعون العصير، والمكسرات، والورد للمارة، ولأهل المنطقة، بحفاوة، وسعادة، وكرم بالغين.
قلت له بعفوية: “يا عندهم عرس يا خطوبة، تطلع إليَّ صديقي على جنب وقال: على العكس حالة وفاة”. 
نظرت له باستغراب، فبادر بالقول: “قبل أن تسألني عن ذلك، سأجيبك وباختصار، فالأمر يا صديقي، أن المتوفى هو أب سبعيني لخمسة أولاد، وكان هذا الرجل أسطورة حقيقية في البخل، والشح، وحب كنز المال، بل كان مؤهلاً وبجدارة ليؤلف كتابا وثائقيا بعنوان (كيف تكون بخيلاً؟)”.
وواصل: “خلال سنوات عمره والتي يصفها أولاده بالمرة، كان يستكثر عليهم كل شيء، وأي شيء، رغم ثرائه، والخير الذي بيده، كالذهاب للعمرة، واستخدام مكيفات البيت بعز الحر، وأكل المطاعم، كما أنه كان لا يشتري لهم ثياب العيد، إلا من سوق المقاصيص”.
وحتى في هذا، كان يفاصل بالسعر مع الباعة لأوقات طويلة، وبعناد، وبصوت مرتفع، ومحرج لأولاده، ولزوجته، أمام الناس.
وتابع صديقي: “قال لي أحد أبنائه، إنه كان يجمع شرائح الصابون النحيفة والمتبقية في الحمام، ويقوم بلصقها ببعضها البعض، لكي يستخدمها مرة أخرى، بدلاً من رميها، باختصار، كان هذا الرجل مبتلى بحرمان نفسه، وحرمان زوجته وأولاده من كل النعم.
 وبعد وفاته بنوبة قلبية وهو نائم، اكتشف أبناؤه أنه يمتلك سبعة عقارات، لم يكونوا يعرفوا عنها شيئا، وإلى جانبها أرصدة مكدسة في البنوك.
ويختم صديقي: أحد أبنائه والذي تجاوز الخمسين بقليل، وهو صديق مقرب مني، قال لي يوم أمس وبحسرة “ما نفع هذا المال وأنا في هذا العمر؟ آخر قال: حرم أولادي لسنوات طويلة من الحصول على التعليم المناسب، والرعاية الصحية، وفرصة أن يروا العالم، أي أب هذا؟”.
فكرت في كلام صديقي لوهلة وأنا بذهن شارد، استذكرت فيه سعادة الأبناء بموت أبيهم، ثم قلت لنفسي: هذا باختصار البخل الذي قتل صاحبه مرتين، مرة وهو حي، ومرة أخرى وهو ميت.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية