العدد 5610
الجمعة 23 فبراير 2024
banner
محمّد عبدالله المناعي.. سلام لروحك أيها الأب العزيز
الجمعة 23 فبراير 2024

ودَّعَتْ مملكةُ البحرين السبت الماضي، بكامل الرضى بقضاء الله عزّ وجلّ، ابنا بارّا من أبنائها وعلما شامخا من أعلامها، ورجلا جمع من خصال الخير والبرّ فأَوْعى، ومن قوّة الفكر والحفظ فأوفى.. ودّعَنا رجل الاقتصاد والتّجارة، ودّعنا الرجل الطيّب الوديع المحدّث الضليع محمّد بن عبدالله المناعي (بوطلال) ودّعَنا وترك فينا حزنا وأسى، ودّعنا وترك وراءه ذكرا سيخلده التاريخ في البحرين وفي منطقة الخليج العربي إن لم أقل في الوطن العربي كلّه.
ولست أهلا لتقديمه والتعريف به أو التذكير بمناقبه، لأنها أكثر من أن تُحصى وأوسعُ من أن يُحيط بها مقال ولربّما كتاب، لكنّني أجدني مدفوعا بما وَقَرَ في قلبي عن العمّ العزيز الراحل محمّد عبدالله المناعي طيّب الله ثراه، وبما غمرني به من أنس اللقاء في مجلسه، حبيسَ ذكره وحديثه، وسجينَ أقواله ورواياته، أستذكرها فيدمع قلبي قبل عيني، وأعيد النظر فيها فتتجلّى لي معانيها وتستبين لي بعض مراميها. جالسته خلال السنوات الخمس الأخيرة مرّات ومرّات، وأوّل ما جمعني به حديث صحافي لمجلة البحرين الخيرية كونه أحد مؤسسيها وداعما أساسيا للعمل الخيري فيها، فحدّث وأفاض، ولم يبخل علينا بذكريات تأسيس الجمعية بل أضاف حتى استفاض. تذكّر صديقه العزيز المرحوم إبراهيم كمال صاحب فكرة تأسيس جمعية البحرين الخيرية، وتحدّث عنه بما يعكس نوع العلاقة الراقية بين جيل الرواد المؤسسين لنهضة مملكة البحرين الاقتصادية والاجتماعية، وأكّد في حديثه تداخل العمل الاقتصادي والاجتماعي الإنساني وتكاملهما من أجل وطن مستقر منسجم. وحدّثني عن أصدقائه وبعض علاقاته وسفراته، ولم يخطر ببالي أن أجد في كنوز أحاديثه باقة من الذكريات العطرة عن تونس الخضراء، ولم يخطر أيضا ببالي أن أسمع ما سمعته من حقائق التاريخ ووقائع الماضي التي تؤكد العُرى الوثيقة بين درة المتوسط ودرة الخليج العربي قديما كما هي اليوم.
استذكَرَ ضيوفه التونسيين من رجال الاقتصاد والسياسة، فحدّثني عن المرحوم الحبيب بورقيبة الابن، وعن الوزيرة التونسية السابقة فتحية مزالي وعن السفير التونسي الأستاذ خالد الزيتوني، وعن الأكاديمي التونسي المبروك المناعي وغيرهم كثير... حدّثني عنهم بكل حبّ وتقدير فعكس معدنه الطيب وحسن وفادته لضيوفه.
كما حدّثني عن زيارات العمل إلى تونس في أواخر ثمانينات القرن الماضي حيث حظي مع الوفد البحريني من رجال الأعمال سنة 1986 بمناسبة افتتاح فندق سياحي في منطقة (قمرت) بالعاصمة تونس، باستقبال خاص من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في قصر قرطاج، وقد حادثه الزعيم شخصيا عن متانة العلاقة بينه وبين أخيه الراحل الأمير سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.
ولمّا كان لقب "المناعي" مشتركا بين تونس والبحرين، فقد حدّثني بوطلال رحمه الله عن امتداد آل المناعي في شمال أفريقيا، وتحديدا في تونس، ويرجح سبب ذلك إلى أن المنانعة قد وصلوا إلى تونس واستوطنوها منذ زمن بعيد لربما يعود إلى الهجرة العربية المعروفة بـ "الهجرة الهلالية" في القرن الخامس الهجري/ ‏الحادي عشر الميلادي. وعليه فإن المناعي في تونس على الأغلب هم من القبائل الهلالية العدنانية التي ترجع أصولهم إلى الجزيرة العربية.
وحدّثني عن كثير وكثير وكثير... وكان دوما يستحضر في حديثه آيات القرآن الكريم، ولن أنسى آية ممّا شرح لي وبيّنَ لي عِبَرها وأبعادها تلك التي كان يردّدها مِرارا وتكرارا وهي من دعاء النبي زكريّا عليه السلام: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ"، ثمّ يعقبها بالحديث عن أبنائه وبرّهم وأحفاده وودّهم في ابتسامة رضى وحبّ مُبينةٍ عن رضائه التام عنهم جميعا. 
لقد كان لي شرف الجلوس إلى العم العزيز الراحل محمد عبدالله المناعي؛ ركبت معه بانوش الذكريات، فأخذ يبحث في المحار عن لآلئ الماضي الجميل يرويها بأسلوبه الممتع، وصوته الرخيم الهادئ، ويتذكّر الأحداث والمواقف المؤثرة. وقد تجّلى لي من خلال حديثه المعدن الطيب والأصيل لهذا الرجل ذي الأيادي البيضاء على العمل التجاري والخيري في البحرين وخارجها.
رحمك الله يا أبا طلال رحمة واسعة وسع السماوات والأرض.. نَمْ قرير العين، ولتهنأ روحك بالأمن والسلام.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية