صديق أعرفه، وهو رجل نبل، وكرم خلق، تعوّد بين يوم وآخر على شراء “كرتون” كبير من قنينات الماء الباردة، يضعها بسيارته، ثم يوزعها على عمال شركات المقاولات، والنظافة بالشوارع، طلبًا للأجر من الله عز وجل.
وحين تسنح له الفرصة، كان يصطحب أطفاله معه؛ ليعودهم على هذا الفعل، ويزرع بهم بذور الخير باكرًا، فكانوا يوزعون زجاجات الماء، وعلى وجوههم الطفولية سعادة لا توصف.
شخص آخر، عرفته لأكثر من عقدين، وتوفاه الله قبل عامين، لم ينقطع لسنين طويلة، عن زيارة الأسر المتعففة في بيوتهم، حيث كان لا يجد السعادة الا بينهم، وبين أطفالهم، وعجائزهم.
فكان رحمه الله يساعدهم بما بيده، ويوصل لهم مساعدات أهل الخير متى ما توفرت، وحين سألته ذات مره بتعجب: كيف تعرف هذه الأسر؟ أجابني ببساطة: من مظهر بيوتهم الرثة، والمنهارة.
شخص ثالث كان يوصل صدقات عائلته الثرية، للأسر المتعففة والمحتاجة بنفسه، فكان يزورهم على بغته، وبعد دخوله البيت، كان يتفحص الأثاث والأجهزة بتمعن، ثم يقوم باستبدالها بأخرى جديدة، بلا أي تأخير، أو منة، أو رياء، ودون أن يخبرهم حتى باسمه.
وما بين أهل الخير، كشاكلة هؤلاء، يكنز الآخرون في الضفة الأخرى على رصيف الحياة الميتة، الأموال بشراهة، وخوف لا تخطئه العين المجردة، وكأنها مصدر السعادة، والأمل، والرضا، والأمان، وهي بخلاف ذلك، وأن (وما عند الله خير وأبقى)، وسيظل كذلك، ودمتم بخير.