+A
A-

للقراءة: كتاب "الدعاية وأساليب الإقناع" لمي العبدالله

يتناول هذا الكتاب موضوع الدعاية بمفهومها الشامل، ويضع الدعاية التجارية والدعاية السياسية في سلة واحدة، إذ لا يوجد فرق أساسي بين الاثنتين، وتكون الوسائل المستخدمة هي نفسها في الدعايتين. فالأولى تهدف إلى خلق فعل شراء أو استهلاك بينما تهدف الثانية إلى خلق فعل سياسي. وتسعى الدعايتان إلى توليد ردة فعل وتصرف معين وتلجان إلى وسائل مختلفة لتحقيق هدفهما والدعاية في الحالتين لا تتوجه إطلاقاً إلى وعي الأفراد ومنطقهم، بل تستخدم الأفكار المنقطة وتتوجه إلى الغرائز، وإلى ركن اللاوعي من شخصية المتلقي.
مع تطور تقنيات الاتصال والزخم المعلوماتي الهائل السائد في وسائل الإعلام خاصة المسموعة والمرئية، أصبح من الضروري أن نتساءل هل أن المجتمعات بحاجة فعلية إلى هذا الكم من النشاطات الإعلامية الغارقة في دعايات الترغيب في الوقت الذي يزداد فيه اقتناعاً بأهمية إعادة تنظيم إعلامنا بحيث لا تخلف الدعاية سلباً أو تضييعاً للحق العام أو نيلاً من قضية عادلة، خصوصاً وأن أجواء المرحلة السياسية الراهنة قد اقتحمت كل المجالات وأشبكت معظم نشاطات الإعلام والثقافة في بوتقة واحدة تخلو في غالبيتها من المعايير النوعية. من هنا تأتي الضرورة للعثور على بدائل أفضل تعبر عن الطموح المجتمعي، فهذا الزمن يتقدم بمادياته ويتراجع عن روحانياته ومثله، ويكاد يبدو للخلل الإعلامي فيه معالم لها مدارس ودعاة تستخدم الدعاية أفضل استخدام .
إن الكلام الذي تقدمه الدعاية الإعلامية لم يعد مقبولاً في كثير من الأحيان، إن لم يكن مرفوضاً لدى شرائع عديدة من المجتمع، بعد أن أصيب الناس بتخمة إعلامية إذ يحيط بهم الإعلام من كل جانب. لذلك تعي الجهات الإعلامية الداعية المختلفة هذه الحقيقة وأصبحت تبذل جهداً تكتيكياً لإقناع الجماهير بخطوط نهجها مستخدمة وسائل وأساليب اجتذاب متجددة ومنوعة متلاعبة بسيكولوجيا المتلقين.
من هنا يكتسب موضوع الدعاية بمختلف أنواعها ووسائلها أهمية كبرى في أيامنا هذه لدرجة أنه بات من المهم معرفة الدور الفعلي الذي تلعبه ومدى فعاليته. هل يمكن بالدعاية دفع الأفراد إلى تصديق أي نبأ؟ هل يمكن بالدعاية التجارية دفع الأفراد إلى شراء أية سلعة؟ .
قد يوحي نجاح بعض الحملات بأن الأمر ممكن، وقد يبدو بعض المتخصصين في الدعاية سحرة يغيرون حسب رغبتهم رأي الجمهور وأذواقه. لكننا إذا نظرنا عن كتب نلاحظ أن عدد الحملات التي نعرف نتائجها ضئيل للغاية. ومما لا شك فيه أن مؤسسات الدعاية التجارية هي المؤسسات التي تملك العدد الأكبر من المعطيات في هذا المجال. لكنها لا تسلمها بطيبة خاطر لأن ذلك يعني إلى حد ما الكشف عن أسرار المهنة .
هذا الكتاب يحاول بفصوله الثمانية الاحاطة بموضوع الدعاية وأساليب الإقناع، بدءً بالتعريفات أنواع الدعاية وسائلها، أساليبها، إلى الإطار النظري والتاريخي، إلى تعريف الإعلان والعلاقات العامة وخصائصهما، إلى شرح مبادئ الدعاية وقوانينها، وصولاً إلى دراسة طبيعة الاتجاهات النفسية وسبل تكوينها وتعديلها وطرق قياسها - ونختم البحث بفصل عن الدعاية الأميركية وأدواتها ومن أهمها العلاقات العامة كمصدر دولي للإعلام والمعلومات، مع نماذج للتجارب الدعائية المميزة .
أردنا من هذا البحث أن يكون منطلقاً لشرح آليات هذه الظاهرة الاتصالية التي تصبح قضية متفاعلة مع تطور وتكاثر وسائل انتشارها، فهي قد تمثل حالة اقتراب أو حالة ابتعاد عن التفكير على ضوء طبيعتها الايجابية أو السلبية. وبهذا الصدد يشير تاريخ الدعاية إلى أنها بدأت تنشط تحت ظروف تدفق المعلومات الحر التي أعقبت الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ .