العدد 5587
الأربعاء 31 يناير 2024
banner
السعودية.. سقف توقعات التطبيع
الأربعاء 31 يناير 2024


رغم إجابة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حول التطبيع مع إسرائيل في مقابلة له مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية عندما أشار بدبلوماسية إلى أنه "كل يوم نقترب أكثر، لأن المفاوضات تجري بشكل جيد"، فهم العالم أن التطبيع السعودي الإسرائيلي أصبح قريب المنال، ونسي الجميع أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى التي لا يمكن التخلي عنها بسهولة دون شروط. فالمملكة العربية السعودية وسياستها التاريخية رغم الخلاف أحيانا مع الساسة الفلسطينيين تبقى صمام الأمان للقضية وكل العرب، فلا يمكن التنازل عن المطالب العربية دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه الوطنية المشروعة وتنفيذ المبادرة العربية التي أطلقها المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في قمة بيروت عام 2002، عندما كان حينها وليا للعهد، وتهدف إلى إقامة دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان، مقابل السلام مع إسرائيل.
وهذه المبادرة العربية السعودية التاريخية، لا يمكن تجاوزها في اعتقادي، فالساسة يطلقون العبارات والكلمات ولهم في ذلك مآرب أخرى، والسلام لن يتحقق بالسلاح، لكن بالمفاوضات الجادة والشفافة وإعطاء كل ذي حق حقه، لينعم الجميع بالسلام والرخاء والأمان باتفاق دولي يضمن تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة والتعايش في سلام دون ضرر أو ضرار. لذا فإشارة ولي العهد السعودي ذات دلالة عميقة ورسالة لمن يرغب في السلام، وتمثل دعوة إلى قبول المبادرة لحماية فرص السلام وحقن الدماء، الأمر الذي يوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار في كل دول المنطقة والعالم كي يعود الحق إلى أصحابه. لذا فإن الأمير محمد بن سلمان أعلن في لقائه التاريخي أن المفاوضات تجري بشكل جيد، وهي تعني أن الخلاف لا يمكن أن يحل دون مفاوضات جادة ودعم عربي وغربي لها، وبالإملاءات لن يتمكن الفلسطينيون ولا الإسرائيليون من التوصل إلى حل نهائي، والسعودية غير متعجلة لإقامة علاقات مع إسرائيل، إذا كانت الدولة الإسرائيلية ترفض المبادرة العربية التي هي صلب أولويات السياسة السعودية على مر السنوات الماضية.
وهذا ما أعلنه السفير السعودي الجديد خلال تقديم أوراق اعتماده للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن "المبادرة العربية للسلام" لا تزال على الأجندة السعودية وستكون ركنا أساسيا في أي اتفاق، وبالتالي فإن السعودية تنتظر من الأميركان والحكومة الإسرائيلية صفقة مختلفة وغير عادية.
وعلى الرغم من تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي مؤخرا بأن التطبيع مع السعودية ممكن "حتى لو رفضت إسرائيل التحرك نحو قيام دولة فلسطينية"، إلا أننا نستنتج أن هذا الكلام لن يتحقق وليس هناك ما يهدد المملكة من إيران أو غيرها، وأن العدو الحقيقي للجميع هو إسرائيل، ولعل كلام وزير الخارجية السعودي كان واضحا للعيان وهو حل القضية الفلسطينية، وأنه من الضروري إقامة دولة فلسطينية قابلة للبقاء ولا رجعة فيها.
إن أي اتفاق يجب أن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، وليس هناك شك في ذلك، ولكن على بريطانيا وأميركا السعي في هذه الاتجاه لتكون للفلسطينيين دولة كاملة السيادة وميناء ومطار وغيرهما، وعلى وزير الخارجية الأميركي بلينكن طرح هذه النقاط إن أراد النجاح في مساعيه وترك بصمة تاريخية له بدلا من الوقوف مع إسرائيل!
فكلنا يعلم أن السعودية ليست وحدها التي تضع شروطا للولايات المتحدة مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإسرائيل تفعل الشيء نفسه، فالتطبيع يحتاج من الدول العظمى والغربية المصداقية في تعاملها وأن تطبق القانون والقرارات الدولية إذا أرادت إنقاذ إسرائيل في المنطقة من الزوال نهائيا.
فالسعودية، لن تدفع ثمنا باهظا في هذا الاتجاه، بل ستلبي مصالحها الأمنية والجيوسياسية والعربية، وتتمسك بموقفها ومبادرتها العربية للسلام، وفي الحالتين تبقى السعودية لاعبا أساسيا يتمتع بالقدرة الحكيمة على أن يكون هو مفتاح حل الأزمات في المنطقة وقيام الدولة الفلسطينية وليس معرقلا لأي صلح سياسي، ويتوقف ذلك على بريطانيا وأميركا إن كانا يرغبان في السلام حقا وبقاء إسرائيل في المنطقة.
والرياض من حقها أن تنظر في خياراتها وهي أكبر مما يقال عنها، فإسرائيل تعلم جيدا ما يعنيه كلام ولي العهد السعودي للقناة الأميركية، ويعلم الأمير محمد بن سلمان قيمة الورقة التي يمسكها بيده، وإن انتهت المفاوضات بنجاح فستكون أكبر صفقة منذ الحرب الباردة، والكرة في الملعب الأميركي البريطاني الإسرائيلي والسلام الحقيقي الذي تتمناه السعودية هو الوقوف على أرض صلبة ويعتمد على احترام الطرف الآخر، لذا علينا ألا نرفع سقف التوقعات، فالسياسة السعودية ثابتة مع القضية الفلسطينية، قضية كل العرب.. والله من وراء القصد.

كاتب ومحلل عماني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .