التوقُّعات العالمية مبشِّرة هذا العام في مجال التعامل مع التضخُّم، والأمل أن يخرج العالم من دوّامة الزيادات السعرية الكبيرة في مكوِّنات سلة السلع والخدمات الرئيسة، بما فيها نفقات السكن، والغذاء، والنقل، والطاقة، والملابس، حيث تشير حالة معدلات التضخُّم، التي بدأت بالتراجع منذ العام 2022، إلى أنَّ التوقُّعات الرشيدة لتلك المعدلات حول العالم تُنبِئ بسيطرة أكبر على الانفلات العام في الأسعار. ففي الوقت الذي شهد فيه العام 2023 انخفاض معدلات التضخُّم إلى ما يقرب نصف ما وصلت إليه في العام 2022، وخاصة في الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، فإنَّه من المتوقَّع أن يدور معدل التضخُّم في العام الجاري حول 3 %، ما يعني أنَّ الفرصة مواتية أمام الوصول إلى المعدل المستهدف، وهو 2 %، بحلول العام المقبل. والشاهد هنا أنَّ البنوك المركزية باتت على قناعة بأنَّ لا حاجة إلى مزيدٍ من رفع أسعار الفائدة، وبالتالي فلا حاجة إلى مزيدٍ من السياسات الانكماشية التي ضغطت على معدلات النمو الحقيقي خلال الفترة الماضية، بالرغم من أنَّ مسبِّبات التضخُّم لم تكن نقدية خلال العامين الماضيين على الأقل، على خلاف ما حدث خلال جائحة كورونا (كوفيد-19) من سياسات تحويل نقدي مباشر، لدعم المستهلكين بمبالغ كبيرة، وخاصة في أميركا وأوروبا، ما أسهم في إشعال فتيل التضخُّم النقدي بسيولة كبيرة تطارد سلعًا وخدماتٍ قليلة. وقد أشارت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في حديثها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي منذ عدة أيام إلى أنَّ هناك حاجة ماسة إلى الاستمرار في كبح التضخُّم، للوصول إلى المعدل المستدام، عند 2 %، وأنَّ البنوك المركزية حول العالم حقَّقت أهدافها خلال الفترة الماضية، واستطاعت أن تسيطر على معدلات التضخُّم الجامحة، وأنَّه من المتوقَّع، في حال استمرار الوضع ضمن السيطرة، أن يخفِّض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بحلول منتصف العام الجاري. المحصِّلة من هذه التصريحات الإيجابية للغاية هو توقُّع انخفاض أعباء المديونية القائمة والجديدة على الأفراد والدول، وتحفيز حركة الاستثمار، والوصول إلى معدلات تشغيل أفضل، وبطالة أقل. ولعلَّ العام الجاري هو بداية لكبح جماح التضخُّم، ما لم نتفاجأ بصدمات عالمية كبيرة، سياسية، أو عسكرية، أو حتى مناخية.