العدد 5569
السبت 13 يناير 2024
banner
إسرائيل وفلسطين بين قنبلتين
السبت 13 يناير 2024

يُعد التهجير القسري لأي شعب شكلاً من أشكال إبادة هويته ومحاولة اجتثاث جذوره من تراب وطنه، وهذا ما جربته إسرائيل في نكبة 48، لكنها فشلت في تهجير الشعب الفلسطيني برمته، ونجح جزء منه بالتشبث بوطنه (عرب 48)، وإن فُرض عليه العيش داخل الكيان الصهيوني، ولو كان بمقدورها حينئذ إبادة الشعب الفلسطيني بالأسلحة الفتاكة الحديثة التي تملكها الآن لما ترددت في ذلك. لكن حُلم الإبادة ظل يُداعب مخيلة قادة الكيان، سواء أمكن لهم تحقيقه بأسلوب التهجير القسري، أو بأسلوب المجازر الدموية البشعة المتتابعة، أو بالأسلوبين معاً، تماماً كما هو جارٍ الآن بحق الغزاويين منذ أزيد من ثلاثة شهور. ولأن وجودهم طارئ وكيانهم مصطنع ظلوا يكرهون بشدة وجود هذا الشعب على أرضه، وكل ما يثبت هُويته وتجذره فيها، ومارسوا عقوبة نسف المنازل، إن على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، لأن هذه البيوت بتاريخها العريق شواهد تنقض سرديتهم الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب.
لم تنسحب إسرائيل من قطاع غزة 2005 طواعية، وإن ظل محاصراً براً وجواً وبحراً منذ ذاك العام، فقد ظلت هذه البقعة من الوطن الفلسطيني تشكل على الدوام عقبةً كأداء في وجه المخططات التوسعية الإسرائيلية؛ بفضل بسالة وصمود أهاليها، بل كانت أشبه بالمرض السرطاني العضال في خاصرة الكيان الجنوبية. وإذا كان رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين لم يتردد في الإعراب عن حُلمه بأن يصحو يوماً وقد ابتلعها البحر، فإن وزير التراث عميحاي إلياهو خلال حرب الإبادة الحالية كان أكثر صراحة في شغفه بتحقيق الإبادة الفورية من خلال إسقاط قنبلة نووية على القطاع! وإذ تمكن الاحتلال من إبادة ما يقرب من 25 ألف فلسطيني من أهل القطاع، جلهم من الأطفال والنساء، من أصل مليوني ونيف من سكانه، فهل بوسعه تحقيق حلمه الجنوني بإبادة المليونين المتبقيين؟ هنا يكمن الفرق بين قنبلة إسرائيل النووية وعجزها عن استخدامها لإبادة الشعب الفلسطيني برمته، أو في القطاع، وبين القنبلة الديموغرافية الفلسطينية النقيض المبطل للقنبلة النووية الإسرائيلية.
لقد ظلت القنبلة الديموغرافية المتمثلة في التزايد السكاني المتسارع للشعب الفلسطيني، في مختلف أماكن وجوده سواءً على أرضه داخل الكيان، أو في الضفة والقطاع أو الشتات، ظلت تشكل بعبعاً حقيقياً لقادة إسرائيل المتعاقبين، سيما في ظل العجز عن مضاهاتها في القوة، رغم كل السُبل التي لجأ إليها هؤلاء القادة، إن في شن الحروب على الفلسطينيين، أو في حرب الإبادة الحالية الأشرس والأطول التي تُشن على أهل القطاع. وزاد من هذا الفارق بين القنبلتين أن عدد اليهود الذين هاجروا من الكيان، وفق معطيات مركز الإحصاء الإسرائيلي نحو 17 ألفاً عام 2015، في حين أن انخفاض الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بلغ العام الماضي 20 % وسط تزايد ملحوظ في الطلب على الحصول على الجنسيات الأُوروبية، علماً بأن الزيادة السكانية في أعداد سكان إسرائيل كانت تتحقق بقفزات في معدلات الهجرة إليها أكثر من معدلات الزيادة السكانية. وليس غريباً أن تلجأ إسرائيل لمواجهة هذا البعبع الديموغرافي الفلسطيني بتبني سياسات تهجيرهم وإفقارهم ودفعهم للبطالة، وأن تحرص على أن تكون من الدول الريادية لعلاج العقم وزيادة معدلات الخصوبة.
وأياً كان تذبذب معدلات الزيادة السكانية بين الطرفين بين آونة وأُخرى، فإن تمكن الفلسطينيين من المحافظة على الجسم الرئيسي من قوتهم الديموغرافية حقيقة لا يمكن لإسرائيل وحلفائها الدوليين تجاهلها، فهي سر استمرار القضية الفلسطينية حية، كما هي سر استحالة شطبها مادام شعبها جيلاً إثر جيل لم يقنط من النضال من أجل انتزاع حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف دولياً، ومن ضمنها حقه في تقرير المصير وحق العودة وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية