العدد 5561
الجمعة 05 يناير 2024
banner
بلاد نيلسون مانديلا
الجمعة 05 يناير 2024


أكان الأمر يقتضي نحو 22 ألف قتيل كي تتحرّك إحدى الدول وتتقدّم بشكوى إلى محكمة العدل الدولية ضدّ إسرائيل؟ أكانت هذه الدعوى تحتاج إلى ما يناهز 60 ألف جريح وآلاف المفقودين والأسرى والمعتقلين وآلاف البيوت والمدارس والكنائس والمستشفيات والطرقات المهدمة.. كي تتأكّد إحدى الدول وتتقدم بدعوى لمقاضاة إسرائيل بشأن انتهاكاتها في قطاع غزة بموجب اتفاقيّة الإبادة الجماعية؟ أَكُنْت تنتظر كل هذا الدم والدمار يا مانديلا كي تتحرّك أنت وأمثالك من أحرار العالم؟
كلّا، ما كان مانديلا سينتظر كل هذا، وبالرغم من هذا التأخير فإنّ بلاده تحركت لتحفظ "ماء الوجه الدولي" حين رفعت في 29 ديسمبر 2023 دعوى قضائية ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها أفعال تل أبيب في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي بأنها "ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب" لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية.. كما تشير الدعوى إلى أن سلوك "إسرائيل" - من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها" - يشكل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وجاء في الدعوى أيضا أن إسرائيل، "ومنذ 7 أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، فشلت في منع الإبادة الجماعية وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية"، وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة "من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح" بموجب الاتفاقية ولضمان "امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
وقد تحركت جنوب أفريقيا في هذا الاتجاه القانوني بعد خطوات دبلوماسية؛ إذ دعت باستمرار إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار واستئناف المفاوضات لإنهاء العنف الناجم عن الاحتلال العسكري المستمر لفلسطين، ثمّ استدعت سفير إسرائيل لديها للتشاور بشأن الهجمات على القطاع. وفي 21 نوفمبر 2023، علقت علاقاتها مع إسرائيل، احتجاجا على هجماتها المدمرة في غزة، وفي 29 ديسمبر رفعت هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية، هذا بالإضافة إلى تصويت برلمان جنوب أفريقيا على تعليق جميع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وهذا الموقف من بلاد "مانديلا" ليس غريبا عنها وعن تقاليدها السياسية، وهي المتضامنة مع قضايا التحرر العالمي منذ منتصف القرن الماضي إبّان كفاح شعبها بقيادة نيلسون مانديلا ضد العنصرية في جنوب أفريقيا، وكذلك هذا التقتيل اليومي بأعتى الأسلحة الغربية الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليس غريبا على  الكيان، وبلا شك يشكّل جريمة إبادة جماعية، غير أن محكمة العدل الدولية كانت قد أصدرت سابقا أحكاما عدة دون أن تأخذ مسارها إلى التنفيذ؛ ذلك أنّ المشكلة تكمن في غياب آلية فعلية لتنفيذ تلك الأحكام طالما تحظى إسرائيل بدعم أميركي وغربي في مثل هذه المواقف.

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .