العدد 5547
الجمعة 22 ديسمبر 2023
banner
حائط النهاية
الجمعة 22 ديسمبر 2023

إن كنت في صحبة كاتب وأديب، ورأيته في حالة قلق وتوتر حتى الإغماء وربما غيبوبة، تأكد أنه في هذه اللحظة يدخل عالمه الغريب الذي لم نعشه؛ لأن من السمات الشخصية للمبدعين أنهم يبدأون دائما وغالبا من انفعال عميق إذا لم تفرغ شحنته فإنها يمكن أن تؤدي إلى إحباط ما اجتماعي أو فسيولوجي.. فقد كشف الأداء الإبداعي عن العلاقة الوثيقة بين التوتر والإنتاج الإبداعي، فالمبدع تتناوبه أثناء العمل فترات من الوضوح والغموض الذهني والمزاجي متعلقة بحالات التوتر، بحيث إنه في لحظات التوتر والانفعال يستمر في العمل إلى أن تفرغ شحنات التوتر فتقل الطاقة والدافعية ويتوقف عن الأداء، مع ملاحظة أنه في حالات الانفعال الشديد تكون الأمور غامضة أمام المبدع، وبالتالي لا يستطيع مواصلة الإنتاج أيضا.


فالانفعالات الشديدة تكف الأداء الإبداعي، وإن كانت لا تكف الأداء العادي، لهذا قد يكون المستوى المتوسط من الانفعال هو المستوى الأمثل للأداء، ومعظم المبدعين لا يكتبون مطلقا لحظة دخول الفكرة عليهم، فغالبا ما تتم لحظة اختمار أو حضانة بين مجيء الفكرة وبداية تنفيذها.


كان هنريك أبسن “يخربش” في أكثر من 50 ورقة وربما أكثر لكتابة سطر واحد من أية مسرحية يكتبها، وقد يظل هذا السطر وحيدا في غربته يتمدد بين اللذة والألم، حتى يأتيه الفرج ويلمع مثل الفاكهة، وكان جورج أوريل صاحب الرواية الخالدة “مزرعة الحيوان” يحدق في الجدار وهو يلف رأسه يمينا ويسارا وكأنه يؤدي طقوس الانحناء والتطهير، أو بمعنى أدق محاولة الإمساك بخيوط فكرة أو موضوع ومتابعة هذا الموضوع حتى النهاية.


حائط النهاية.. هذا ما يريد أن يصل إليه كل مبدع مهما اختلفت وتباينت التصرفات والمزاجية حتى وإن ملأ نصف وجهه بالتراب.


كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية