في يوم عيدك يا وطن نؤكد أن عزمنا معقود على جبيننا منذُ قديم الزمان، على أن نروي هذه الأرض حباً وعملاً وعطاءً بلا حدود، وأن نسمو بها كما سمت بنا إلى أعالي القمم. ليس الوطن قطعة أرض وتراب وماء وهواء، فكل البلاد كذلك، إنه قطعة من الفؤاد، تسكنه ويسكنك، إنه شيء يجري مع النَّفس مع كل شهيق وزفير، هو رديف الروح، وسكنها وهدوءها وطمأنينتها، هو الأمان والملاذ، وهو الخير الممتد إلى أبعد من الحدود.
كان والدي - رحمه الله – يردد على مسامعنا كيف كان جدي ناصر غواصا ماهرا ومحبا لهذه الأرض؛ برها وبحرها وسمائها وهوائها، وكنتُ حينها أشعرُ بفخره بأجداده وحبهم لهذه الأرض، ذلك الحب الذي يبدو جليا من بريق عينيه وهو يروي قصصاً كثيرة ويكررها على مسامعنا كلما سنحت الفرصة. هؤلاء الكبار سنا وقدرا وخبرة هم خير شاهد على نعمة الوطن، وخير دليل على أن حبه شيء يمتزج بالروح ولا تزلزله الظروف مهما صعبت، ولا الأيام مهما قست، لقد ذاق أجدادنا قسوة الأيام ورخاءها، فما تراجع حبهم له في الأولى، ولا زاد في الثانية.. وخبروا سياسة قادته فالتحموا بهم التحام اللحم بالعظم، وشهدوا تطوره بين ماضيه وحاضره فأحبوه في ماضيه وحاضره، وساهموا في بنائه لبنة لبنة، وصفقوا لكفاح أبنائه عاما بعد عام.. إنهم حين يرددون على مسامعنا أخبار تلك الأرض، فهم يتحدثون عن كل شيء فيها بلغة الحب حتى ما كان منها مندرجا تحت فصول الألم، ويتحدثون عن خيرها ودفئها وأمانها بلغة الفخر؛ إنها ليست مجرد حكايا، بل رواية مجد وتاريخ.. رواية لا تتفوق عليها أجمل روايات الحب والغرام، وديوان شعر تتقازم عنده كل الدواوين.. وهل يملك المزارع المحب غير بذور الحب يغرسها في أرضه! هذا ما فعله آباؤنا؛ لقد غرسوا فينا حب هذا الوطن، وسقوا غرسهم على مر السنين، وناموا في قبورهم نومة الواثق بعدما رأوا غرسهم قد صار شجرا مثمرا.. نحن شجرهم، وخيرنا لبلادنا الثمر.. وستظل أشجارنا مثمرة لا نبخل بها على أرضنا الطاهرة ما بقينا على قيد الحياة، وما دمنا نتنسم عبق هذه البلاد السخية، وسنغرس في أبنائنا ما غرسه آباؤنا فينا، حتى إذا قضينا ما علينا كبروا هم واشتد عودهم الريّان وأثمروا حبا وعطاء سخيا، وارتقوا بالبلاد إلى الأعالي، وتفانوا في النهوض بها بكل ما أوتوا من قدرة وعزم. 

كاتب بحريني