في الوقت الذي يطوي فيه الشعب الفلسطيني الشقيق صفحة أخرى من صفحات العزة والبطولة مع تمديد الهدنة والاستمرار في تبادل الأسرى والرهائن، يتكشّف ساعة بعد أخرى حجم المجزرة في قطاع غزة، وحجم الخسائر في المباني والمنازل، خصوصا التخريب الممنهج للمؤسسات الصحية وتدمير المدارس ودور العبادة، وكل مكان آمن يمكن أن يكون ملجأ للفلسطيني. لقد كشفت الأرقام هول المأساة في غزة وبشاعة الاحتلال في تعامله مع المدنيين العزّل والأطفال الخدّج، والشيوخ والمسنين والنساء والأطفال القاصرين... فقد تجاوز عدد الشهداء في ٤٧ يومًا عتبة 16 ألف شهيد بينهم أكثر من 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فيما لا يزال نحو 7 آلاف شخص في عداد المفقودين وفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
هذه المأساة الإنسانية خلقت تعاطفا دوليا لا سابق له مع القضية الفلسطينية.. تعاطفا شعبيا في كل دول العالم، وتعاطفا رسميا وصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الكيان... في هذا السياق كان "يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني 2023" في 29 من نوفمبر مكتسبا وهجا آخر، ويتضاعف معه حجم التعاطف مع الشعب الفلسطيني. ولا أدري هل هو محض صدفة أن تتلاقى وتتزامن ثلاثة مواعيد أمميّة بارزة؛ اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة في 16 نوفمبر، يوم حقوق الإنسان 10 ديسمبر؛ ويتخلّلهما اليوم العالميّ للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر من كل عام.
إنّ حقوق الإنسان الفلسطينيّ مهدورة ومنتهكة في عالم سيحتفل قريبا باليوم الدولي لحقوق الإنسان، وأعلى درجات هذا الانتهاك تقع على المرأة الفلسطينيّة في عالم احتفل منذ أيام باليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، وأجلى مظاهر العنف ضد المرأة حين تقتل غدرا في غزة وتدفن تحت الأنقاض؛ فقد وصل عدد الشهيدات إلى أكثر من 4 آلاف امرأة. وفي ظل هذه المفارقات، لا يمكن للعالم إلا أن يتضامن مع عنوان النضال ورمز الصمود، مع المرأة الفلسطينية، ويقف لها تحية إكبار وإجلال وهي تدافع جنباً إلى جنب مع الرجل الفلسطينيّ عن حقوقها، وهي تستشهد معه، وهي تفقد زوجها وابنها وحفيدها وأباها وأخاها كل ساعة، وبالرغم من كون المرأة الفلسطينيّة مستهدفة مباشرة بالقتل والأسر والتعذيب...، وبالرغم من كونها محرومة من حقوقها الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية والحياة الآمنة والبيئة السليمة؛ فقد ظلّت، منذ تاريخ النكبة، إلى طوفان الأقصى، عنوان الصمود ورمز السلام. دون أن يغيب عن البال مشهد تلك المرأة الفلسطينيّة الأبيّة وهي تحتضن شجرة الزيتون "عنوان الحياة والسلام"، وتتمسّك بها أمام جرافات العدوّ الغادرة.
كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية