العدد 5511
الخميس 16 نوفمبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
مواجهة النزعات الاستعلائية
الخميس 16 نوفمبر 2023

التّعدد الاجتماعي هو القاعدة في أغلب التجمعات البشرية، بالنظر إلى تنوع الماهيات الإثنية والدينية والطائفية والتي تتعايش منذ قرون بالرغم مما يمكن أن يطرأ عليها ليفسد الانسجام والصفاء. ومع ذلك تأسس مع الزمن نوع من نمط العيش المشترك ضمن سياق التاريخ المشترك مع قدر من الاحترام المتبادل للتنوع الثقافي والاجتماعي. كما تكرست مع الزمن شراكات فرضها منطق العيش المشترك والدور الفاعل للدولة التي تحاول تعزيز روح المواطنة والوحدة لمواجهة النزعات التقسيمية، بتحويل حقائق الاختلاف والخصوصيات إلى مصدر للغنى الثقافي والاجتماعي، استنادا إلى الحقائق التاريخية والجغرافية والإنسانية الجامعة، والتي تكون بالضرورة في تقاطع تام مع تاريخ الأوهام وذاكرات الصراعات التي تصول وتجول فيه النزعات التقسيمية. إن مثل هذا التوجه يكاد يكون محل وفاق من الناحية النظرية، وإن بصيغ، لكن العديد من الذين يتفقون حول ضرورة تعزيز الوحدة الاجتماعية الوطنية ـ هم في الواقع، لا يفعلون سوى تكريس الخلاف، بدءا باللغة والشعارات والأفعال، مع إدراكهم أن الوطن لا يحتمل منافسة هذه البنى ما قبل - الوطنية له، لأنها كفكر وممارسة اذا ما ترسخت حلت محله، وهذا ما شهدنا بعض تداعياته خلال الأزمات، حيث تأكد أن هذه النزعات تنفي الوطن لتشيِّد عالمها الخاص مكانه في هيئة شعارات وصراعات مفتعلة ومدمرة، خصوصا عندما تسعى إلى تبني لغة استعلائية – تطهيرية، لا ترى الحاجة إلى أي نوع من الشراكة أو الوحدة، وبالتالي تحارب أول ما تحارب المواطنة، باعتبارها عدوا لدودا لتوجهاتها. وعندما تنجح في إحلال نفسها محل الوطن فإنها تلغيه في النهاية، وتستبعده من معادلة المواطنة.
إن الوعي بمخاطر هذا النوع من التفكير لا يكفي وحده لتجاوز مخاطره، بل يجب بذل جهد وطني تشاركي لمنع انتقال تأثير هذا الخراب إلى عقول الناشئة، في سبيل الكف عن اللعب بالنار واستبعاد برامج الخراب التي تقوم عليها نزعاتهم.
همس
ارقد يا صديقي في صمتك الأخير، 
لم يعد هناك ما يستحق الكلام.
ارقد، فالجوهرة تذوي كل يوم.
اصمت، فلا شيء يستحق الكلام،
لا تخلف وعدك بالموت، فالطفل قد رحل والزنبقة.
فقط، اغمض عينيك، وارحل.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .