العدد 5505
الجمعة 10 نوفمبر 2023
banner
"امسامحه"
الجمعة 10 نوفمبر 2023

لا أبالغ إذا قلت إنّ ألطف وأجمل وأرقّ وأعذب كلمة سمعتها في البحرين هي "امْسَامَحَه"، كلمة سحريّة تنتشر في المخاطبات اليوميّة، وتسري كالبلسم بين أهل البحرين للطلب المؤدّب أو الاعتذار أو التأسّف أحيانا، والكلمة في هذا السياق بمعنى عفوا، ولا شكّ أنّ العفو، ولاسيما عند المقدرة، من القيم الإسلامية السمحاء. والكلمة في أصلها اللغوي من جذر (س. م. ح)، ومن هذا الجذر تتولّد كلمات عديدة مشتقّة من المعنى ذاته مثل التسامح، وهو أيضا ميزة أصيلة لدى أهل البحرين الذين عرفوا هذا المفهوم المعاصر منذ مئات السنين؛ فالتعايش والانفتاح على الآخر المختلف عرقياً وثقافياً ودينياً من خصائص المجتمع البحريني، لا بحكم موقعه الجغرافي وامتداده التاريخيّ فقط، إنّما لفهم أصيل لجوهر الإسلام بما هو دين التسامح والإخاء، وبفضل نهج سياسيّ حكيم تجلّى في توجيهات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظّم، القائل إنّ "راية البحرين ستبقى عربية مسلمة خفّاقة نهجها التسامح والتعايش بين الجميع".
إنّ البحرين، أرض التسامح بما يشكل من قيمة بحرينية إسلامية إنسانيّة كونيّة، قد سبقت منظمة الأمم المتحدة منذ قرون في تكريس التّسامح وحقّ الاختلاف والتعايش، ولا تنتظر اليوم الدوليّ للتسامح الذي يوافق 16 نوفمبر من كلّ سنة حتّى تُحْيِيَ هذا اليوم؛ لأنّها تحياه كلّ يوم بما هو قيمة ثابتة في المجتمع، أصيلة في مكنون صدور المواطنين، تتجلّى في تفاصيل حياتهم اليومية كلّما دقّقت النظر في السكان والمعمار.
إنّ العالم اليوم - أكثر من أيّ وقت مضى، ومع ما يجري في الشرق الأوسط - بحاجة إلى استلهام النموذج البحرينيّ والاستفادة منه؛ لأنّ العالم بحاجة ماسّة إلى جرعات مضاعفة من التسامح من خلال تفعيل دور المؤسسات الرسميّة والإعلامية والتعليميّة، حتى لا تكون قيم التسامح والمواطنة والتعايش مصفوفةً من المعلومات والتوجيهات تنتهي بانتهاء الامتحان في المدارس مثلا، أو مجرّد شعارات تظهر حينا لأغراض ما وتختفي أحيانا، إنما يُفترض أن تكون خبرات وكفايات يواجه بها المتعلم مواقف الحياة اليومية في الممرات، في الدرج، في الملعب، في المقصف، في الصف، في قاعة المصادر، في المختبر، في الشارع، في الحيّ، مع الأصدقاء، مع أفراد العائلة، مع المواطنين عموما.
إنّه لمّا كان التنوّع والاختلاف أمراً ملازماً للوجود الإنساني وسنة كونيّة لا مناص عنها، فإنّه لابدّ من اعتناق التسامح رابطة توحّدنا في رحلتنا المشتركة نحو مستقبل كونيّ مستدام يسوده السلام كي تمخر سفينة البشريّة عباب البحر وترسو بسلام على شواطئه الآمنة.

كاتب تونسي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .