العدد 5498
الجمعة 03 نوفمبر 2023
banner
هكذا حدّثني تشرين عن فلسطين
الجمعة 03 نوفمبر 2023

يهلّ علينا شهر التسامح، شهر نوفمبر تشرين الثاني الذي يحتفل العالم في السادس عشر منه باليوم الدولي للتسامح، يهلّ علينا هذا العام خجولا مترنحا يمشي على استحياء؛ فرمز التسامح والتعايش العالمي فلسطين أرض الأنبياء تنوء تحت وطأة التعصّب ورفض حق الآخر لا في الاختلاف فقط، إنما أيضا في الحياة، يهلّ علينا تشرين الثاني ليرى السكان الأبرياء في قطاع غزة وهم يلقون صنوفا من التقتيل والتجويع والحصار والإبادة، يهلّ شهر التسامح ونبذ كل أشكال العنف والتعصب شاهدا على شعب يستغيث، ولا من مغيث.
يحدّثني نوفمبر تشرين الثاني عن تاريخ طويل من التعايش بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين على مدار آلاف السنين على أرض فلسطين مهد الرسالات السماويّة الثلاث؛ اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام.. يحدثني عن نابلس عن الأعياد الدينية وقد اقترب ميعادها، عن المسلم يعانق أخاه المسيحي ويقف معه في السرّاء والضراء، عن نموذج حيّ للتسامح والتعايش، عن أحياء المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب يتشارك سكّانها الأفراح والأتراح، يحدّثني عن أصوات قرع أجراس الكنائس تلتحم وصوت القرآن والأذان، عن بيت لحم عن زينة أعياد الميلاد وزينة شهر رمضان تعلق في بيوت المسلمين والمسيحيين على السواء. يحدّثني نوفمبر تشرين الثاني عن المواطنة كخيط ناظم بين الفلسطينيين يضمن الحقوق ويفرض الواجبات، عن الوطنية عقيدة راسخة لأبناء هذه البلاد، عن كلمات شجاعة أطلقها الأب مانويل إلى أهالي غزة ذات عدوان إسرائيلي سافر سابق على القطاع حين لجأ البعض إلى الكنائس طلباً للأمان، فقال: "إذا هدموا مساجدكم فارفعوا الآذان من كنائسنا".
يحدّثني نوفمبر تشرين الثاني عن ذكرى ميلاد أيقونة التسامح المهاتما غاندي، الداعي إلى ترسيخ قيم التآخي واحترام معتقدات الآخرين وتقاليدهم، ونبذ مظاهر الكراهية والتعصب والتمييز، غاندي الذي قاد أكبر معركة في التاريخ الحديث دون أن يسفك قطرة دم، ونال مع بلاده أعظم استقلال من الاستعمار البريطاني.. ها هم يحتفلون بك يا غاندي وأنهار من الدماء تسيل في فلسطين في أرض الأنبياء والمرسلين، فهل حدثوك عن تشرين 2023؟
نعم، يحدّثنا نوفمبر تشرين الثاني 2023 شهر التسامح العالمي! عن قصف المستشفى المعمداني حيث احتمى الأبرياء من الأطفال والنساء، عن مخيم جباليا عن عشرة آلاف شهيد في نصف شهر، عن بيوت تدكهم آلة الاحتلال دكا، عن مستشفيات وأطفال ونساء وشيوخ دون أكل، دون ماء ولا كهرباء، عن جثامين طاهرة لم تترك لها آلة القصف الهمجية فرصة لإيوائها الثرى.
ويحدّثنا تشرين الثاني 2023 عن منظمات دولية وإنسانية أثبتت فشلها بامتياز في إيقاف شلال الدم، في إيقاف جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الأطفال الرضع والنساء وكل من يمشي من الآمنين في قطاع غزة، عن منظمات لا تملك من السلام والتسامح والتعايش سوى اسمه، عن مدير مكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان كريغ مخيبر وهو يستقيل من منصبه احتجاجا على تعاطي الهيئات الأممية مع الوضع في القطاع مؤكدا أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية واستسلام صريح لهيئات الأمم المتحدة للوبي الإسرائيلي والأميركي. 
فأين السلام؟ وأين التسامح؟ وأين التعايش؟ وأين الحوار؟ يسأل شهر تشرين الثاني حزينا.. ويمرّ.

كاتب تونسي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية