العدد 5476
الخميس 12 أكتوبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
عودة إلى الفصل بين الدين والدولة
الخميس 12 أكتوبر 2023

كان فصل الدين عن السياسة المبدأ الذي سارت عليه أغلب الدول العربية منذ بداية نهضتها الحديثة، دافع عنه زعماء ومصلحون مسلمون متدينون، بطريقة صريحة وقاطعة، باعتباره نفس الطريق الذي سارت عليه البشرية منذ أن خرجت من عصور الظلام، وباعتبار أن النموذج الإسلامي نفسه قائم على غياب سلطة المؤسسات الدينية الوسيطة، وباعتبار الأحكام الشرعية نفسها تصف أفعال الإنسان الطبيعية، فثمة فصل حتمي للدين عن الدولة في أغلب المجتمعات الإنسانية تقريباً، حيث لا يمكن أن تتوحد المؤسسة الدينية والسياسية في أي مجتمع حضاري يقوم على أسس مدنية قادرة على أن تكون جزءا من المجتمع الدولي. وهذا التمايز بين المجالين السياسي والديني أصبح واقعاً تسير عليه الحياة السياسية في العالم، إلا الجماعات التي ترفض ذلك، فتقع في التناقض الداخلي بين منظومة الدولة المدنية والحرية والديمقراطية والحداثة، من ناحية، والمنطق العقائدي، من ناحية أخرى.. والعمل في المقابل على إضفاء الشرعية الدينية على القرار السياسي، وتحويله من عمل حزبي مؤسسي إلى عمل “الجماعة”. ومن هنا جاءت الانتقائية في التعامل مع الديمقراطية، والاقتصار على الاستفادة من بعض آلياتها للوصول إلى السلطة. من دون الأخذ بقيم الديمقراطية ومنتجاتها الفكرية وقيمها الثقافية. وبذلك جرت إعادة إنتاج نوع من الاستبداد الجديد، لا يهتم كثيرا بالحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة، قدر اهتمامه بالسلطة وغنائمها.
وبسبب ذلك يطرح البعض تحرير الحياة السياسية من هذه الجماعات، لكن هذا التوجه ليس واقعيا، لأن الإقصاء أيا كان شكله هو أسوأ الخيارات في الحياة السياسية، كما تؤكده دروس التاريخ. لأن الذي تقصيه تقويه وليس العكس. ولذلك لا بديل عن بناء مسار ديمقراطي تشاركي وطني، يضم كل الشركاء الأساسيين، بما يساعد على ترشيد الحياة السياسية وتقويتها، وعزل خطابات قوى التطرف بكل أشكالها، والحفاظ على المكتسبات الوطنية، والقبول بالتدرج في بناء الحياة الديمقراطية التشاركية، في سياق مدني متحرر من التسلط أيا كان شكله، وهذا يقتضي العمل الفكري والثقافي والتربوي لتحرير الفضاء العام من تسلط خطابات التطرف والطائفية والإقصاء.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية