العدد 5473
الإثنين 09 أكتوبر 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الإلحاد كموقف “لا ديمقراطي”
الإثنين 09 أكتوبر 2023

تجتاح العالم موجات من الإلحاد في عدد من البلدان، ومع ذلك فإن التدين يبقى الغالب في كل مكان في العالم، بل إنه أيضا يعود بشكل كاسح في بعض المناطق، ويترسخ أكثر فأكثر، وذلك لأن (الاعتقاد) أو الإيمان يبقى حاجة ضرورية بالنسبة للإنسان مغروسة في وجدانه وتؤثر في حياته، فلا العلم ولا الشيوعية نجحا في الحد من المعتقدات الإيمانية، ولا نجحا في انتزاع الإيمان من قلوب المؤمنين عبر العالم، وذلك لأنه عندما تتعقد الحياة وتتعدد المرجعيات، يصبح من السهل إلقاء الهواجس على (قوة عظيمة) هي الله. وهذا ما يجعل قوة الاعتقاد بكل أشكالها وتجلياتها طوق النجاة للإنسان في مواجهة (قوة الموت والعدم) بما يعطي للحياة معنى. فمنذ أكثر من ثلاثة قرون، عملت الفلسفة والعلوم وعلم النفس على مواجهة ما يسمى بـ “اللاعقلانية” في حرب لا هوادة فيها، حيث أسقط داروين بنظريته حول التطور “مقررات” الكتب السماوية عن “الخلق”، واعتبر نتشه أن “فكرة الآلهة” اخترعت لمعاكسة الإنسان والحد من طموحه وإخضاعه للقوى الغيبية وإضعافه والتأكيد على عجزه الدائم أمام الحياة وأمام المجهول، أما سيغموند فرويد فقارن المعتقدات الإيمانية للناس عبر العصور بحالة (النيفروز) الكونية التي ستشفى منها الإنسانية مع تقدمها وتطورها.
وبالرغم من ذلك، فإن جميع هذه النظريات يتراجع أثرها والاعتقاد في وجود الخالق يتأكد يومًا بعد يوم، بل وأصبحت فكرة نفي وجود الله فكرة لا ديمقراطية في عنفها وإقصائها للإيمان من حياة الإنسان، فالإنسان لا يزال يمضي في التعلق بأي شيء يربطه بالإيمان والاعتقاد مهما كان مسماه. فالبيولوجيون الذين يرجعون كل أشكال “الحياة” إلى “الجينات” يتحدثون اليوم عن (المهندس) الذي (برمج) الحياة والوجود، وأعطاهما معاني محددة، ويقولون إن هذا المهندس لابد أن يكون (خالقا مطلقا). فالإنسان مهما علا شأنه ليس بوسعه تفسير أو فهم أصل الحياة والإجابة عن كل الأسئلة المهمة الأخرى فهما مطلقا وكاملا، وعليه أن يبحث ويبحث بلا نهاية داخل (هذه الصناعة الكبرى التي خلقها الخالق بعلمه المطلق).
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية