استوقفتني بعض المفاهيم التي ذكرها المفكر المصري عبدالوهاب المسيري في سيرته الذاتية “رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية” واخترت التوقف عند دلالات ومعاني ما وصفه المسيري بالذئاب الثلاثة التي تؤثر على مظاهر الحياة اليومية، وهي، ذئب الثروة وذئب الشهرة والذئب الهيغلي “المعلوماتي”، وجميعها ذئاب تشكّل تحديًا لمن يسعى إلى تحرير نفسه من استبداد واستعباد الماديات والشهرة لأجل تحقيق توازن روحي وثقافي واجتماعي في شؤون الحياة.
 يقصد المسيري بذئب الثروة هو الرغبة للوصول إلى الثراء والغنى لأجل تحقيق التراكم الهرمي للأموال، ويصبح الإنسان مهوسًا بتكديس الثروات وملاحقة الماديات، وقد يفقد هنا علاقاته الإنسانية وتمر أيام حياته في الكد والسعي للمال، دون تخصيص سويعات للعلم والمعرفة والحياة الاجتماعية التي تؤدي للسعادة الحقيقية، وكأن الفرد مسلوب الحرية والإرادة.
 أما ذئب الشهرة فيعني به المسيري حب الشهرة ولفت الأنظار وملاحقة الموضة، والانشغال بهوس الأمور السطحية من أجل كسب المعجبين والمتابعين، كما هو حال واقعنا اليوم، وهنا يفقد المرء الثقة بالنفس في أغلب الأحيان ويقل عنده العطاء والإنتاج العلمي والعملي بسبب عشقه لفت الأضواء، وكلما كانت الشهرة صاروخية كلما كان الاختفاء مصيرها.
 أما الذئب الهيغلي فيفسره المسيري بالرغبة الملحّة لدى أغلب المفكرين والباحثين في إنتاج الدراسات الموسوعية الضخمة، مما يؤخّرهم عن إخراج أعمالهم الفكرية والعلمية إلى حيّز الوجود ويعطلهم عن إبراز طاقاتهم في الإنتاج الفكري والثقافي.
 وهنا أستذكر حديثي بين حين وآخر مع بعض الأكاديميين والباحثين عن غياب أعمالهم الفكرية عن الساحة الثقافية، فكان جواب أغلبهم وجود الطموح الأكبر والهوس في البحث المستمر في التدقيق وتجميع المعلومات من عدة مصادر بعضها يتطلب عناء السفر، مما يؤخّر صدور الكثير من الأعمال النافعة للمجتمع.
 ومن جهة أخرى، نجد عافورًا من الإنتاجات الركيكية في معارض الكتب دون تحصيل أية فائدة علمية للقارئ، وهو أمر مرهق نفسيًّا وماديًّا، وعند غياب المشاريع الموضوعية العلمية الدقيقة، تكتسح المكتبات أعمال لا تحقق الإضافة النوعية للعقل، وعدم مواجهة التحديات الراهنة لا تجيب على تساؤلات القارئ، في ظل إصدار مشاريع فكرية وثقافية محدودة لا تحقق الغايات المطلوبة.
ختامًا، الإنسان مخيّر بين أن يكون سيدًا لنفسه أو يواجه الذئاب الثلاثة حتى لا يخسر عمق ذاته، أو يستسلم ويخضع لنهش الذئاب.