العدد 5422
السبت 19 أغسطس 2023
banner
هوامش على "دعاء الكروان"
السبت 19 أغسطس 2023

على صلة بمقالنا المطوّل المنشور يوم الأربعاء الماضي على الموقع الإلكتروني للصحيفة تحت عنوان "دعاء الكروان.. الفيلم والرواية"، ثمة أربع نقاط متبقية آثرنا بسطها هنا تفادياً للإطالة أكثر مما ينبغي.
النقطة الأولى: تتعلق بالرواية، فقد ذكرت بأن المخرج بركات والسيناريست يوسف جوهر بذلا جهداً خارقاً لتحويلها إلى سيناريو، وأثمر هذا الجهد عملا إبداعيا لنص السيناريو، وأستطرد هنا بالقول إن الإبداع يأتي من كون رواية طه حسين لم يكن نصها، وبالأسلوب اللغوي الذي تميز به المؤلف، يصلح لتحويله بسهولة إلى نص سيناريو، بعكس روايات كبار الروائيين المصريين التي اختار المخرجون عدداً منها لأفلامهم. وهذا ما أدركه حسين أثناء عرض بركات المشروع عليه، حيث قال له إن الرواية خالية من الصور التي تستلزم الفيلم السينمائي، ملمحاً بذلك ضمنياً إلى أن مقدرة مخيلة الكفيف على توليد الصور في العمل الروائي ليست متكافئة مع مخيلة الروائي سليم العينين، لكن بركات طمأنه بأن الرواية لا تخلو من صور بفضل أسلوبه في الكتابة، ومن الواضح أن بركات إنما كان يطمح لإنتاج وإخراج فيلم لإحدى روايات طه حسين ليضمن نجاحاً وشهرةً لفيلمه، وهذا ما نجح فيه بامتياز. النقطة الثانية: تتعلق بالمخرج بركات أيضاً، ففي إحدى اللقاءات التلفزيونية معه أوضح بأن السبب الذي دعاه لتغيير النهاية لتنتهي بمقتل مهندس الري (أحمد مظهر)، أن النهاية في الرواية تنتهي بزواج آمنة من قاتل المهندس الذي تسبب لمعاشرتها في مقتلها على يد خالها، وهذا غير صحيح، فمن يمعن في قراءة الفصل الأخير جيداً، سيخلص بأنها كانت تعترف بحُبها له لكنها "متنغصة" نفسياً بالزواج منه، لأنها عاجزة عن نسيان جريمته بحق شقيقتها؛ كونه المتسبب في مقتلها، في حين أن النهاية في الرواية جعلها المؤلف مفتوحة على كل الاحتمالات حول مصير العلاقة بين الطرفين، وهي نهاية غير ملائمة بطبيعة الحال للمخرجين الباحثين عن نهاية فيها تشويق أو إثارة؛ لعلمهم المسبق بما يلائم أمزجة المشاهدين. 
النقطة الثالثة: تعكس اهتمام طه حسين وقت كتابته روايته بالأثر الأدبي المهم لقصص "ألف ليلة وليلة"، والذي ربما كان يزمع دراسته لولا أولوياته المتشعبة. 
ولعل هذا ما نلمسه حينما يضبط المأمور الخادمة آمنة في إحدى غرف أبنائه وهي تقرأ في كتاب "ألف ليلة وليلة" الذي كان يتداوله الأبناء فيما بينهم سراً. وقد برع المؤلف في تصوير الكتاب المتداول بين الأبناء: "دميم الصورة قبيح الشكل حقير الورق رديء الطبع"، وهذا ما ذكرني بنسخة بحوزتي تكاد تكون طبق الأصل لوصف المؤلف، وأتذكر أنني كنت قد اقتنيتها خلال المرحلة الدراسية الإعدادية، ومازلت محتفظاً بها. الجدير بالذكر أن طه حسين بعد صدور الرواية اقترح على تلميذته سهير القلماوي في مطلع الأربعينيات دراسة هذا الأثر التراثي لتكون بمثابة رسالتها لنيلها الدكتوراه، وهو ما فعلته.
النقطة الرابعة: تتعلق بعنصرين مشوقين في متابعة الفيلم، ما ساهم في نجاحه، الأول صوت طائر الكروان الذي كانت تتابعه أو تناجيه هنادي بطلة الرواية والفيلم، ومن خلال هذا الحديث المنولوج نتعرف على الكثير من وقائع القصة، والعنصر الثاني والذي يتناغم بعذوبة مع العنصر الأول، ويتمثل في الموسيقى التصويرية للفيلم التي أنجزها الموسيقار أندريا رايدر (وهو مصري من أصل يوناني) وقد أبدع فيها أيما إبداع، وكانت من العناصر المهمة في إنجاح الفيلم وفوزه بعدد من الجوائز. والحق أن هذا المؤلف الموسيقي العبقري كان رائداً متميزاً في تقديم الكثير من الأعمال الموسيقية الباهرة التي وصلت لما يقرب من 80 فيلما، فضلاً عن التوزيع الموسيقي لعشرات الأغاني العاطفية والوطنية، وقد ترك بصمات في غاية الأهمية في تراث وتاريخ السينما والأغنية المصريتين، وللأسف انتهت حياته إثر حادث إجرامي تعرض له في شيلي عام 1971. 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .