العدد 5408
السبت 05 أغسطس 2023
banner
مستقبل البيت الداخلي الفلسطيني
السبت 05 أغسطس 2023

سبق أن نوهنا هنا، في مقال الأسبوع قبل الماضي، بأهمية أن يرتقي الموقف العربي الرسمي إلى ممارسة ضغوطه المناسبة على إسرائيل لتكون أعلى - بأية درجة من الدرجات على الأقل - من سقف الضغوط التي طالبت بها جهات دولية تتحلى بحد أدنى معقول من الحياد والإنصاف، لكن هذا لا يعني البتة أن الطرف الفلسطيني معفى من المسؤولية، بل لا نبالغ إذا ما قلنا إنه تقع على عاتقه المسؤولية الأولى، باتجاه رفع الضيم التاريخي الواقع على شعبه، والذي مازال يتجرع أهواله منذ 75 عاماً أضعافاً مضاعفة، كلما طال أمد القضية بلا حل دائم وعادل. والمسؤولية تتمحور باختصار شديد في تنظيف البيت الفلسطيني من الداخل، وإعادة بنائه من جديد بما يجسد الوحدة الوطنية، وإذا كانت هذه الوحدة عزيزة على قلب كل فلسطيني، مثلما هي عزيزة على قلب كل عربي، فلن تتحقق إطلاقاً في ظل التراشق الإعلامي المستمر باتهام كل طرف بمسؤولية الطرف الآخر في الحيلولة دون إنجازها، مادام كل منهما رقماً صعباً على الساحة الفلسطينية، وبالتالي فلن تتحقق الوحدة إلا بمشاركته، هذا إذا استبعدنا التراشق بالسلاح كما حدث مرات عديدة، سواء في زمن "الكفاح المسلح" من خارج فلسطين، أو كما حدث في الداخل بين السلطة وحركة فتح من جهة، وحماس وحليفاتها الحركات الإسلامية من جهة أخرى، سيما في غزة.
ولعل آخر حلقة في مسلسل هذا الصراع العبثي المدمر ما حدث مؤخراً في مخيم عين الحلوة الفلسطيني بمدينة صيدا اللبنانية من اشتباكات مأساوية، أسفرت قتلى وجرحى ودمارا واسعا وأضرارا خطيرة لا تقل خطورة - اللهم إلا في الحجم - عما أسفر عنه الاجتياح الإسرائيلي الأخير لمخيم جنين في الضفة الغربية. على أن المضحك المبكي هذه المرة أننا بتنا نسمع في تقارير المراسلين الإعلامية حول الاشتباكات الأخيرة في هذا المخيم بأسماء قوى مسلحة متطرفة جديدة لا يُعرف لها وجود في الداخل الفلسطيني، أمثال "جند الإسلام" و"فتح الإسلام"، وبأن ثمة مخططاً لإنهاء وجود منظمة التحرير في المخيم من تلك القوى المسلحة، وكأنه بقيت للمنظمة قائمة في ظل هذا التمزق والاحتراب المزمنين بين فصائلها، لا بل منذ ثلاثة عقود على اتفاق اُوسلو (سبتمبر/ أيلول 1993) ونحن نقرأ تقارير ودراسات تحليلية بخصوص مستجدات القضية الفلسطينية مُعدة من قِبل محللين فلسطينيين، لا محللين عرباً فقط، جميعها تحت عنوان: ماذا تبقى من منظمة التحرير؟ وإذا كان يحلو لأي فصيل فلسطيني أن يتباهى بما حققه من بطولات أو انتصارات صغيرة هنا وهناك، فعليه أن يعي جيداً أنها انتصارات جزئية متعثرة لن تقوده وحده إلى انتصار قضية شعبه بمفرده بأكملها في ظل تشرذم الساحة النضالية الفلسطينية، ومن ثم انعكاس ذلك سلباً على لُحمة شعبها.
وتأسيساً على ما تقدم، يغدو من المعيب اليوم أن تطالب القيادة الفلسطينية، ومعها سائر ممثلي الشعب الفلسطيني، بأن تبدي الدول العربية موقفاً أقوى تجاه إسرائيل فيما البيت الفلسطيني نفسه منقسم على نفسه من الداخل، وهو الانقسام الذي لا يستفيد منه سوى عدوهم وحلفائه الدوليين.
وهكذا نرى ثمة قضايا وإشكاليات عديدة معقدة، لا بل إنها تزداد تعقيداً مع مرور الوقت في ظل عدم تنظيف وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، وعلى الأخص منذ الاشتباك الخطير المسلح بين الفصيلين "فتح" و"حماس" عام 2007 في غزة، وحيث بات الوضع اليوم يزداد تعقيداً في ضوء عدم تمخض اجتماع العلمين الأخير بين ممثلي الفصائل المسلحة والذي احتضنته مصر لإعادة اللحمة الفلسطينية عن نتائج جدية ملموسة، وزاد الطين بلة أن أعقبتها في اليوم التالي أحداث عين الحلوة في ظرف عصيب وشديد الحساسية يمر بها شقيقهم الشعب اللبناني الذي بات اليوم أكثر شعوبنا العربية احتضاناً وتضحية للقضية الفلسطينية. وهكذا فقد أضحت المعضلات التي تحول دون تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية من التعقيد البالغ الآخذ في التفاقم أشبه بالمعضلات التي تحول دون انتصار قضية الشعب الفلسطيني ونيله كامل حقوقه على المدى القريب، ولا يعلم سوى الله عما إذا ستتحقق مهمة الوحدة الوطنية بين الفصائل قبل انتصار قضية شعبها، أم تظل معلقة إلى أجل خطير غير معلوم ليغدو حلم الوحدة هو الآخر بعيد المنال القريب!.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .