العدد 5405
الأربعاء 02 أغسطس 2023
banner
معارك العقّاد مع العميد
الأربعاء 02 أغسطس 2023

لم يكن الأديب الكبير عباس محمود العقّاد أقل شدةً من عميد الأدب العربي طه حسين في انتقاده  أمير الشعراء أحمد شوقي، لكن في حين يغلب على نقد العقّاد الجموح والعاطفة، فإن العميد كان يتوخى قدراً أكبر من التوازن والموضوعية، بل هذا ما أتصف به العميد في نقده لأدب العقّاد نفسه، دون أن يجعل الخلاف بينهما سبباً في بخس مكانته ودوره في الأدب العربي الحديث، ولا سيما خلال النصف الأول من القرن العشرين. ولعل العميد نجح في تلمس كوامن العقّاد النفسية والتي دفعته إلى أن يكون غليظاً أشد الغلظة في انتقاداته لمعاصريه من كبار الأدباء، ففي حوار أجراه المذيع السعودي التلفزيوني الراحل ماجد الشبل مع طه حسين، وصف الأخير أن ما كان بينه وبين العقّاد لم يكن سوى تنافس في الفن، لكنه استدرك-بلطف وتلميح لا تخطئه العين- بأن دوافع العقاد تكمن في الحسد والغيرة منه، ففي الوقت الذي لم ينل فيه العقّاد أية درجة جامعية مطلقاً، ولم ينتسب إلى جامعة، فإن العميد-كما يقول عن نفسه- كان حاصلًا على الدرجات والشهادات الجامعية العليا، دبلوم و ليانس ودكتوراه، و هذا ما يغيظ العقّاد على حد تعبيره! 
وعرّج العميد على إحدى المرات التي أعرب فيها العقّاد صراحةً عن تبرمه من الجامعة؛ لإجحافها بمنزلته الأدبية، وذلك أثناء أحد اجتماعات المجلس الأعلى للفنون والآداب،وكان حينها العقّاد مقرراً لهذا المجلس، فقال بأنه ألّف نحو 70 كتابًا والجامعة لم تلتفت إليه، وكان يقصد بذلك عدم منحها له الدكتوراه الفخرية، في حين أنها منحتها لعدد من مجايليه الأدباء ،مثل لطفي السيد، وعبد العزيز فهمي وغيرهما. ولكن عندما سأله الشبل عما إذا كان العقّاد يستحق الدكتوراه الفخرية أجاب بلا تردد:" ليس في هذا شك، فهو قد خدم الأدب العربي كأحسن ما تكون الخدمة، وألّف كتباً وكتب مقالات في غاية الأتقان،وكان يستحق على هذا… على الأقل الدكتوراه الفخرية من الجامعة، ولكن الشيء المؤلم أن الجامعة لم تفكر فيه، وأن الجامعات العربية المختلفة لم تفكر فيها أيضاً". يُجدر بنا هنا التذكير بأن العميد نفسه لم يتوان عن انتقاد منح هذه الدكتوراه الفخرية في العهد السابق وفق اعتبارات اعتباطية غير موضوعية، حسب المحسوبية والمصالح الحزبية داخل السلطة. 
أكثر من ذلك ورغم تلك المعارك الأدبية التي خاضها العقّاد مع تُربه العميد، بما في ذلك انتقاد الأخير  لعبقرياته التي لم يفهم منها شيئاً على حد تعبيره، كما مر بنا تحت عنوان سابق، إلا أنه بلغ من التواضع العلمي والإنساني أن أهدى  إليه واحداً من أهم كتبه ألا هو " دعاء الكروان" مبجلاً إياه في هذا الأهداء بهذا التعبير الجميل: " إلى صديقي الأستاذ الكبير عباس محمود العقّاد.. سيدي الأستاذ، أنت أقمت للكروان ديواناً فخماً في الشعر العربي الحديث، فهل تأذن لي في أن أتخذ له عشاً متواضعًا في النثر العربي الحديث، وأن أهدي إليك هذه القصة تحية خالصة من صديق". ومن الواضح أن عميد الأدب العربي أستمد عنوان رائعته" دعاء الكروان" التي صدرت 1934من عنوان ديوان العقّاد " هدية الكروان" الذي صدر 1933، أي قبل رواية طه حسين بعام واحد، وجمع فيه مجموعة قصائد شتى تألق فيها العقّاد لغةً وفناً، وكانت تشمل الغزل والرثاء والهجاء وخلاف ذلك. وبعد، فكم نحن بحاجة في زماننا إلى هذه الروح الرياضية في تقبل النقد مهما أشتد بين رفاق الأدب الواحد وغيره من أشكال الكتابة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية