العدد 5685
الأربعاء 08 مايو 2024
banner
عن ثقافة الحوار ومقتضيات السّلْم الدولي
الأربعاء 08 مايو 2024

هل بات الحوارُ بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ضرورةً حتميّة أم رفاهية يمكن الاستغناء عنها ساعةَ نَشاءُ، سيّما في منطقة الشرق الأوسط تلك الملتهبة منذ عقودٍ سِتّة؟ قبل الجواب يبقى هناك تساؤل أهمّ: ما هو البديل عن الحوار؟ وهل الخصام والحروب والقلاقل والاضطرابات الحل والبديل الوحيد المتوافر أمامنا؟

لعله يلزمنا أن نوضح أنّ منهج الحوار لم يَعُدْ ضرورة عالمية أو شرق أوسطية فحسب، بل بات ضرورة كونيّة، ذلك أن منهج الحوار أضحى مطلبًا إنسانيًّا وحضاريًّا في عالم سقطت فيه الحواجز وتشابكت فيه المصالح وزادت احتياجات البشر لبعضهم البعض، وأصبح الشأن الداخلي خارجيًّا بطريقة أو بأخرى، والخارجي تحَوَّلَ ليؤثّر على سير الحياة الداخلية، وباتت فكرة الاستغناء عن الآخر غير ممكنة في عالم تشابكت فيه الخيوط وتداخلت. وعليه، فإنسان القرن الحادي والعشرين لا يجد أمامه سوى منهج من اثنين، إمّا المنهج الحواري التفاهمي العقلاني الذي يتجنب الصدام ويحاول توسيع مساحات التفاهم بالتركيز على الإيجابيات المتحققة وإضاءة أوجه الشراكة النافعة بين الأديان والثقافات والحضارات وتقليص أوجه الخلافات والتعارض، أو المنهج الثاني التصادمي التحريضي الاتهامي العدائي المعتمد على توظيف الدين في الصراعات السياسية وإحياء النزعات التعصبية واستدعاء الروح العدائية التاريخية وتصوير الآخر على أنه العدو المتآمر أبدًا ودومًا وعليه تجب كراهيته وعداوته. ولعله يحقّ لنا أن نتساءل: هل للحوار جذور فقهية إسلامية قرآنية؟ في حوار الذات الإلهية مع إبليس كما وردت في سورة "الأعراف" في الآيات من 10 إلى 24، وفي سورة "الحُجُرات" الآيات من 15 إلى 40: يقول القرآن الكريم: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتُك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين.

قال أنظرني إلى يوم يُبعَثون، قال إنك من المنظَرين، قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين، قال اخرج منها مذؤومًا مدحورًا لَمَن تبعك منهم لأملأنّ جهنم منكم أجمعين"... هل من سند شرعي فقهي أكثر من تلك الآيات وضوحًا ونصاعةً؟


الجلي للبيان والواضح للعيان أنّ الحوار القرآني السابق للعزة الإلهية مع إبليس الرجيم يُبرِز حقائق إيمانية كالثواب والعقاب والخير والشر والإيمان والكفر. وما كان لهذا الحوار أن يقوم من دون وجود الآخر. ولعل التساؤل الرئيس الذي يقوم عليه هذا المقال: هل من علاقة بين الحوار والاستقرار والتنمية والسلم؟


بالقطع نعم، ذلك أنّ الحوار يعني المعرفة، إذ يساعد عليها ويمهد الطريق للتنوير والذي هو جزء لا يتجَزَّأ من التقدم والمساعدة على نهضة الفكر والعالم، وهو من أهم الأساسات التي بُنِيَتْ عليها الدول الكبرى والنهضة في أوروبا. ولا شك أنها في البداية بُنِيَتْ على النهضة العربية سواء كانت إسلامية أو مسيحية.


قضية الحوار أصبحت في عالم اليوم قضية مُلِحّة على جميع المستويات؛ فنحن نعيش في عصرٍ تشابكت فيه المصالح وتعقدت فيه المشاكل على نحوٍ لم يسبق له مثيلٌ. ومن هنا يمكن القول إن الحوار أصبح ضرورة من ضرورات العصر للتغلب على المشكلات الواقعية في عالمنا. والقضايا الدينية تُعَدُّ جزءًا لا يتجزأ من مشكلات عالمنا الواقعية، بل تُعَدُّ القضايا الدينية في كثير من الأحيان بمثابة الخلفية لبقية المشكلات لِمَا للدين من تأثير عميق في نفوس الناس.


أيُّ إسهامٍ تقدمه الديانات إلى ثقافات العالم للتصدي للتأثيرات السلبية لظاهرة العولمة الآخذة بالانتشار سريعًا؟


الشاهد أنه فيما كثيرون مستعدّون للإشارة إلى الخلافات بين الديانات والتي يمكن الكشف عنها بسهولة نجد أنفسنا كمؤمنين أمام تحدِّي الإعلان بوضوح عمَّا لدينا من قواسم مشتركة.

هل من خلاصة لما تقَدَّمَ؟
يمكننا القول إنّ ثقافة الحوار وثقافة السلام متلازمتان، وربما وجب علينا أن نتعلَّم نحن أهل الشرق الأوسط والمنطقة العربية من الغرب خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، الاهتمام بقضية السلام، وأن الحوار ما هو إلا وسيلة للوصول إلى هذا الهدف الأسمى في المجتمع، والذي نسميه بالتعايش السِّلْميّ؛ ذلك أنّه إذا وُجِدَ السلام بين الأديان، فلا شكَّ سيحِلُّ بين الإنسان وأخيه الإنسان.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية