قدمت الصين في الأيام القليلة الماضية مقترحا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، غير أنه من الواضح أن حظوظ هذا المقترح لم تكن جيدة كما ينبغي. يعن لنا أن نتساءل لماذا؟
الشاهد أن المقترح الصيني الذي جاء في نحو 12 بندا، وكما هو منشور عبر موقع وزارة الخارجية الصينية، لا يمكن أن يتجاوز بحال من الأحوال البنود الرسمية للقوانين الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، عطفا على شرعة حقوق الإنسان، وكلها في واقع الأمر جيدة للغاية، ومطلوب ومرغوب احترامها وتقديرها، والسعي في دربها، غير أن ملامح الصراع بين موسكو وكييف، والذي دخل عامه الثاني، تكاد تكتسي ملامح ومعالم خارج ما هو مألوف أو موصوف، وتتبدى ملامح الأزمة الدولية بأبعد من مجرد الصراع بين دولتين فقط.
بداية يمكن القول إن الدوائر الغربية لم ترحب الترحيب الكافي بإنجاح تلك الوساطة الصينية، وهو ما تبدى في التصريحات الأميركية، والتي رأت أن الصين تحاول القيام بمناورة سياسية، لصرف الأنظار عن الدور الذي تقوم به في إطار دعم موسكو. الذين تابعوا تصريحات الأمين العام لحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، والتي أشار فيها إلى الشكوك القائمة حول الصين، وكيف أنه لا توجد مصداقية كبيرة في مواقف بكين، يقطع بمقدار نقص بل فقدان الثقة بين الناتو بشقيه، الأميركي والأوروبي في الصين. يبدو موقف بكين من الأزمة الأوكرانية، بحاجة إلى قراءة محققة ومدققة، فهي على الرغم من عدم تأييدها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلا أنها تتحدث عن حتمية ضمانات أمنية للدول على حدودها، ما يفهم منه الإدانة المبطنة لتحركات الناتو الذي يتمدد بالقرب من الجغرافيا الروسية. في الوقت ذاته، تلف مسألة الدعم العسكري الصيني لروسيا ضبابية واضحة، ففي حين تنفي بكين الأمر، ترتفع الأصوات الأميركية بنوع خاص، منذرة ومحذرة، من تغيير موازين المشهد العسكري على الأرض، حال مضت الصين في تعويض روسيا عن النقص في الأسلحة والذخائر.
لم تلق الوساطة الصينية، في واقع الحال، هوى كبيرا عند الروس، وإن جاء الرد دبلوماسيا، انطلاقا من أن الوقت غير مناسب لقبول هذه التهدئة، فيما المثير تمثل في قبول الرئيس الأوكراني زيلينسكي، مبادرة بكين، قائلا إن انخراط الصين في إحلال جهود السلام خطوة أولى مهمة. الرفض الروسي مرجعه مواقف الناتو، والذي لا تنفك دوله تسعى لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة وبطاريات الصواريخ، وهناك أحاديث عن طائرات "أف - 16" الأميركية المتقدمة، الأمر الذي تمت مواجهته بتهديدات روسية، بلغت حد الحديث عن استعمال قنابل نووية تكتيكية في البدايات، وقد يتطور الأمر إلى اللجوء إلى الأسلحة الاستراتيجية.
هل الصين راغبة حقا في وقف القتال بين موسكو وكييف؟
هناك من يرى أنه من مصلحة الصين أن يطول زمن تلك الحرب، الأمر الذي يستنزف الطاقات الأميركية، ويشاغل واشنطن، وبما يسمح للصينيين باستنهاض قواهم الاقتصادية، والمضي قدما في بناء ترسانتهم العسكرية، لا سيما النووية منها.
بينما رأي آخر يميل إلى القطع بأن الصين ليس من صالحها أن يطول أمد الحرب، ذلك أنها وعند نقطة بعينها، ستجد نفسها قسرا في تحالف عسكري مع روسيا، منعا لهزيمة الأخيرة.. لماذا؟
باختصار غير مخل، إن أية انتكاسة طويلة الأمد لروسيا، ستجعل الصين وحدها في الميدان الآسيوي، وأمام طموحات واشنطن بالهيمنة على العالم من جديد.
هل من خلاصة؟ الاضطراب سيد الموقف عالميا.
كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية